مضى أسبوع على تكليف الملك الحكومة لإعداد خطة عشرية للنهوض بالاقتصاد الوطني، ترتكز على سبعة مبادئ، هي في الوقت ذاته أهداف الخطة المرجوة.
المهمة ثقيلة بلا شك؛ فالمطلوب ليس مجرد إجراءات قصيرة المدى، وإنما خطة لعقد قادم من الزمن، تتطلب من القائمين عليها بُعد نظر، وقدرة على توقع الانعطافات المفاجئة والتحسب لها في بلد يعيش وسط إقليم مضطرب، وتحيط به الأزمات من كل صوب.
لقد جرب الأردن من قبل وضع خطط طويلة المدى، لكن المتغيرات كانت تعصف بأفكار المخططين وبرامجهم. وفي أحيان كثيرة، كان العمل تنقصه الجدية والإرادة، ويسقط في فخ الارتجال، ما دفع بقطاعات واسعة إلى الاعتقاد بأن هدف مثل هذه اللجان والخطط هو تسكين الشارع وشراء الوقت ليس إلا.
الفريق الاقتصادي للحكومة يعاني متاعب كثيرة، ويفتقر للانسجام المطلوب لإنجاز مثل هذه المهمة. الملك تنبه لكل هذه المعطيات، وطلب في رسالته الموجهة إلى رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، اعتماد المنهج التشاركي في إعداد الخطة؛ وذلك بإشراك فعاليات من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني. وفي هذا الصدد، يتعين التفكير في إشراك الخبراء الاقتصاديين المحسوبين على الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، من أصحاب الآراء المعارضة للسياسات الاقتصادية المتبعة، للوصول إلى تصورات مشتركة تشكل إطارا وطنيا جامعا تلتف حوله مكونات المجتمع وقواه.
البرنامج الزمني عنصر مهم في الخطة؛ فلا يمكننا أن نطلب من المواطنين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء الأسعار، والبطالة، انتظار عشر سنوات قبل أن يلمسوا تحسنا في مستوى حياتهم. يتعين على المخططين والحكومة أن يعملوا على تقسيم الخطة على مراحل زمنية حسب الأولويات، بشكل يمكنهم من تحقيق إنجازات ملموسة سنويا.
يعلم المسؤولون في الدولة قبل غيرهم الشكوك التي تحيط بفكرة تشكيل اللجان في الأردن؛ فعلى مدار سنوات مضت، تشكلت لجان عديدة، لعل أهمها لجنة الأجندة الوطنية التي وضعت برامج وخططا ملموسة لتطوير أداء الدولة في كل المجالات، لكنها انتهت في الأدراج. لقد حذّر الملك من نهاية كهذه، لكن من يضمن أن لا تتكرر؟!
هناك اقتراحات كثيرة لتحصين الخطة، كي لا تلقى مصير خطط سابقة؛ من بينها ضمان مشاركة جميع القوى الاقتصادية والسياسية في إعدادها، وعرضها على البرلمان لإقرارها كقانون ملزم للحكومات المتعاقبة.
إلى جانب ذلك كله، يتطلب نجاح الخطة ضمان الدعم الشعبي لها، وشعور كل مواطن بأن تحسين مستوى معيشته هو الهدف الأول لهذه الخطة.
لقد منح التكليف الملكي الحكومة الشعور بأنها مستمرة لفترة أطول. نأمل أن لا يستحوذ هذا الأمر على تفكيرها، ويغدو إنجاز الخطة مرتبطا بهذا الهدف. فبقاء الحكومة من عدمه لا يعني شيئا للتيار العريض من المواطنين، إلا بمقدار ما ينعكس على مستوى حياتهم.
إذا كان التكليف الملكي قد مدد في عمر الحكومة، فلتجعل منه مناسبة لإحداث فرق جوهري في حياة الناس، لعلها تنجح في تغيير الانطباع السائد عنها بوصفها حكومة رفع أسعار؛ فتغدو في نظر الشعب حكومة رفع مستوى المعيشة. هل يمكن لحكومة النسور أن تصنع هذا الفارق؟