أظهر تقرير لجنة تقييم التخاصية الذي استغرق إعداده عاما كاملا مجموعة مهمة من الدروس للمستقبل، باعتبار الخصخصة خيارا اقتصاديا لتحسين الأداء من جهة وفتح المجال واسعا لإطلاق رزم من المشاريع التنموية في صناعة التعدين والبنية التحتية، ومشاريع الطاقة الجديدة منها: الصخر الزيتي، والطاقة النووية والمتجددة، ونقل الركاب العام والطرق وفق معايير دولية من جهة اخرى، ومن الدروس المستفادة اعتماد معايير معتمدة ومتعارف عليها منها العلنية في العرض واستقطاب المستثمرين، وابتعاد الحكومات عن التأثير على سير اعمال التخاصية، والالتزام بالقوانين ومواد الدستور الاردني، والاسراع بإصدار تشريعات تساهم في حماية حقوق البلاد، في مقدمتها اصدار قانون للمسؤولية المهنية لمكاتب المحاماة والتدقيق، واشتراط تقديم كفالات وتأمينات كافية خلافا لما جرى خلال العقدين الماضيين.
البعض يعتقد ان الحكومات باعت معظم ما تمتلكه، وهذا التشخيص سطحي، وكان المتفق عليه وبحسب قانون التخاصية اعادة توظيف عوائد التخاصية في مشاريع جديدة لها قيمة مضافة عالية اقتصاديا واجتماعيا تمهيدا لإعادة طرحها في السوق لمستثمري القطاع الخاص المحلي والدولي، إلا أن هذا لم يحصل، وفضلت الحكومة آنذاك استخدام القسم الاكبر من العوائد لتسديد الجزء الاكبر ديون دول نادي باريس بخصم محدود جدا وغير منطقي، وهنا يجب الانتباه الى متطلبات المرحلة المقبلة بالالتزام بقانون التخاصية وتعديلاته التي باتت ضرورية.
وبالعودة الى المسؤولية المهنية للمحاماة والتدقيق المالي في التخاصية فإن اية تجاوزات على الدستور الاردني تفتح ابواب الحديث الشعبي حول الفساد وتوجيه الاتهامات والتجريم، وهذا ما نراه منذ سنوات ووصلت حد المطالبة بالعودة عن التخاصية، وهي مطالبات لايمكن تلبيتها، وتلحق اضرارا بالغة ببيئة الاستثمار وسمعة الاردن في الاسواق الخارجية، وبحسب تقرير لجنة تقييم التخاصية فإن بند المسؤولية المهنية غائب تماما وكان الطرف الحكومي الأضعف في المفاوضات مع المستثمرين، وان المضى قدما في هذا التقصير لن يخرجنا من خانة خسارة اموال نحن بأمس الحاجة اليها حاليا ومستقبلا.
المشكلة التي وقعنا بها خلال مسيرة التخاصية للسنوات الماضية تكمن في ان شركات محاماة محلية تقدمت استشارات قانونية للمستثمرين الاجانب تمهيدا لإبرام صفقات التخاصية مثل الفوسفات، وحصلت هذه الشركات و/ او المكاتب ملايين الدولارات، علما بأن القانون لا يسعف وضع حدود فاصلة للشركات العاملة في هذا القطاع، لاسيما أن بعض هذه الشركات والمكاتب مملوكة لمتنفذين ومسؤولين سابقين في الدولة، ويبدوا أنهم يعرفون جيدا كيف تؤكل الكتف مع غياب تشريعات محكمة.
التخاصية خيار اقتصادي متفق عليه واثمر فوائد كبيرة برغم الاخفاقات والتجاوزات هنا او هناك، و المطلوب وضع حدود واضحة ومتفق عليها، إذ هناك انشطة غير قابلة للخصخصة، من المياه والطاقة الكهربائية، ونقل الركاب والصحة والتعليم، فالمسؤولية الحكومية لايمكن التنازل عنها او التخلي، ويمكن لبعض الانشطة ان يستثمر فيها القطاع الخاص الى جانب الحكومة...والاهم من ذلك ألا نسمح بهدر المليارات لصالح منافع ضيقة للبعض.