ومع أنّ برنامج باسم يوسف ما لبث أن اشتدّ عوده عندما جعل من السّخرية من الإعلام المصريّ هدفاً له، مما هيّأ الفرصة لاسترداد بعض شعبيّته، إلا أنّ الإعلامي نفسه ما لبث أن ارتكب خطأين؛ واحداً في داخل البرنامج وآخر خارجه. أما الذي داخل البرنامج فعرضُه -بحسب نشطاء مصريين- لخريطة مصر دون شلاتين وحلايب! وقد صبّ هذا في جرابِ الذين يرون في يوسف ظاهرة مؤامراتيّة! وأما الخطأ الآخر فتلك الفضيحة الإعلاميّة التي لم تتوقّف برغم اعتذاره عندما كتب مقالة في "الشروق" يحلل فيها قضيّة القرم بين أوكرانيا وروسيا، ليظهر بعد ذلك الإعلامي الصهيونيّ بن جودة، صاحب المقال الأصل، معلناً أن باسم يوسف قد نسخ مقالته من دون ذكر مرجعه! وصحيح أنّ مقالة الاعتذار في "الشروق" كانت بليغة، ولا أظنّ أنّ مثيلاً لها قد ظهر في الإعلام العربي من قبل، وصحيح أنّ المعتذر قد اعترف بأنّ خطأه "ليس له أي عذر" وأنه "خطأ مهنيّ"، وأنّ تعامله مع هذا الخطأ حمل " قدراً كبيراً من البلاهة والتسرّع والذعر والمكابرة والاستهبال" وأنه "ليس هناك أيّ عذر على الإطلاق لما فعله" وأنّه يتحمل "المسؤولية كاملة" ويستحق "كل كلمة هجوم أو تقريع أو سخرية"، إلا أنّ كرة الثّلج التي بدأت تتدحرج لن يوقفها شيء في الوقت الراهن؛ فمُقدّم "البرنامج" قد فقد مصداقيّته، وليس من السّهل استعادتها.
ولذا بدا منطقياً أن يعلن باسم يوسف توقفه عن الكتابة لفترة من الوقت، وعن إذاعة البرنامج لأسبوعين. إذ عليه أن يلتقط أنفاسه، وينظر في حساباته ليعالج الخطأ المهنيّ والأخلاقيّ الذي وقع فيه. فمهما تكن الأسباب فإنّ غفران زللٍ مهنيّ يبدو أقرب من غفران زللٍ أخلاقيّ، مع أنّ واحدهما ملتبسٌ -في هذه الحالة- بالآخر التباساً شديداً.
ولا أدري إلى كم من الجهد والوقت سيحتاج إعلاميّ أخطأ لكي يستعيد مصداقيّته وشعبيّته معاً! ولكنّ من المؤكّد أنّ درس باسم يوسف في هذه الواقعة لا يُمكن تجاهله. وأنّ تمتين علاقة المهنية بالأخلاق أمر ليس في بال "السيستم" التربويّ العربيّ (ناهيك عن الإعلام العربي!)، مما جعل من الناتج الفعليّ (صبيان العنف والتدمير والاستهتار) خرقة مهلهلة تعبثُ بها كلّ ريح!
دعونا لا نفقد الأمل...!