اخبار البلد ـ رغم الأزمات العميقة التي تعصف بعدد من بلدان مما اصطُلِح على وَصفِه.. «العالم العربي», ورغم ما يعانيه هذا العالم (العربي), المنذور للخلافات والصراعات المحمولة على أحقاد شخصية وتصفية حسابات,وسعي محموم من قِبل البعض للنهوض بأدوار غير مؤهل للقيام بها لأسباب عديدة, ديمغرافية وجيوسياسية وثقافية وغيرها مما تؤهل دولة او زعيماً ما لقيادة تكتّل اقليمي أو منطقة تجمعها عوامل التاريخ المشترك والجغرافيا والإرث الحضاري واللغة... فإن لبنان (دع عنك فلسطين ونكبة شعبها ومنعه من حق تقرير مصيره) يتصدّر الدول المُعرضة للتقسيم والتشظّي, بعد أن أثقلته الأزمات...سواء التي افتعلتها طبقته السياسية التي كانت قبل اتفاق الطائف (1989) مُقيمة في المتاريس والخنادق المُتقابِلة عسكرياً, خلال حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس, أم تلك الأزمات التي جاءت بها (ثقافة) الفساد والزبائنية والتقاسم الطائفي والمذهبي وتدخلات المرجعيات الروحية, التي يتم اللجوء اليها – أو تبادر من نفسها – لشد عصب اتباعها والتلويح لهم بمخاطر تغيير «الصيغة اللبنانية» المُكرسة منذ العام 1943 والتي قامت على اسس مذهبية وطائفية وخصوصاً عددية، لم تستطع رغم كل ما يقال من رطانة وكلام مرسل واستنسابي, ان تحول دون استمرار تعثّر لبنان وانعدام قدرة «شعوبه» على تحصين روابط العيش المشترك وتطوير صيغة واقعية وعادلة, من تلك التي فرضها المستعمرون الفرنسيون وعملاؤهم المَحليون الذين ضمنوا لأنفسهم وذرياتهم... النفوذ والإمتيازات.
لبنان كان لعقود مُجرّد مختبر للمنطقة, تجري على أرضه عبر الإعلام كما ميدانياً وخصوصاً اسرائيلياً وأميركياً ومعظم العرب, بالونات الاختبار وساحة لتصفية الحسابات مع الخصوم الإقليميين يتولّى (الوكيل) اللبناني الترويج لها أو الانخراط المباشر فيها, لصالح (الأصيل) الإقليمي أو الدولي...تخلّى الجميع عنه، بعدما توفرت ساحات (بديلة) أنتجتها ثورات الربيع العربي الممولة أميركياً وصهيونياً ومن بعض العرب، على نحو لم يعد لدى هؤلاء سوى الإجهاز على ما تبقى له من عوامل قوة وقدرة ذاتية على البقاء, بهدف محاصرة المقاومة وتصفيتها بعد أن تم دمغها بالإرهاب، ما أسهم في تعريض سِلّمه الأهلي المُتضعضِع الى خطر السقوط والاندثار وبروز دعوات للفدرلة (مقدمة للتقسيم على أسس مذهبية وطائفية ومناطقية) الأمر الذي وجد تجاوباً بعد تحريض لا يتوقف من قبل مرجعيات روحية, عملت على تأجيج الأوضاع ودفعها لمزيد من الاحتقان والتأزّم.
فساد ومديونية عالية وصراع بين الطبقة السياسية, المسؤولة (في معظمها) عن الفساد المُتغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها, فضلاً عن تدهور الإقتصاد والبنى التحتية والخدمات الأساسية وانهيار سعر صرف الليرة, ناهيك عما جاء به «كورونا» من آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة, ليصل المشهد الكارثي المتدحرج هذا ذروته في انفجار مرفأ بيروت (4/8).
ما سرّع في دخول لبنان مربع الانهيار, في الوقت ذاته الذي تتصارع فيه الطبقة السياسية حول جدوى التدقيق الجنائي في (عمل) مصرف لبنان, وخصوصاً البحث عن قانون انتخاب (جديد) بات يُؤرّق المستفيدين من صيغة 1943 فضلاً عن احتمالات سقوط اتفاق الطائف, ما سيأخذ لبنان إلى حافة.. الزوال.