يعدّ إقرارُ مجلس الوزراء الأسبوع الماضي مشروع قانون حماية اللغة العربيّة لسنة 2014 حدثاً تاريخياً وطنياً بامتياز، وذلك لأنّ هذا الإقرار يأتي بعد جهود طويلة ومضنية بذلت خلال عدّة عقود من قبل مجمع اللغة العربية الأردني وهيئات وطنية عديدة أبرزها فريق المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربيّة. وقد تكلّلت هذه الجهود أخيراً بالنجاح.
كما أنّ هذا المشروع يجعل من الأردنّ في طليعة الدول العربيّة التي تتصدى لإبراز أهمية اللغة القوميّة في حياتنا وتعمل على حمايتها والإعلاء من مكانتها في المجتمع الأردني. كما أنّ هذا القرار يمثّل صورة من صور استعادة الثقة بلغتنا وتراثنا ويؤكّد اعتزاز الأردنّ وشعبه بهويتنا القوميّة وامتدادنا العربيّ وعمقنا التاريخي.
ولم يكن الأردنّ الدولة الوحيدة في العالم التي تتنبه لأهميّة سنّ قانون يحمي لغتها الأمّ التي هي مكوّن أساسيّ من مكوّنات الهويّة الوطنية، فقد أصدرت معظم دول العالم التي تعتز بقوميتها وهويّتها مثل هذه القانون، ومنها روسيا وفرنسا وإيران والصين وغيرها. وقد أصدرت فرنسا منذ سنة 1490 عدة قوانين لحماية اللغة الفرنسية كان آخرها قانون توبون الصادر في الرابع من آب سنة 1994، والذي سمّي بهذا الاسم نسبة إلى وزير الثقافة آنذاك جاك توبون، ويهدف هذا القانون إلى حماية اللغة الفرنسية وتراثها وإغنائها والالتزام باستخدامها بوصفها اللغة الرسّمية للدولة. كما يهدف القانون إلى ضمان استخدام المصطلحات العلمية الفرنسيّة وتقديمها على غيرها من المصطلحات وخاصة الإنجليزية. كما يلزم ذلك القانون المؤسسات والشركات في فرنسا باستخدام اللغة الفرنسية في الإعلانات التجارية والملصقات الترويجية، بالإضافة إلى المطبوعات الحكومية الرسميّة وأماكن العمل والمدارس التي تمولها الحكومة، والبرامج السمعية والبصرية.
أما مشروع قانون حماية اللغة العربية الذي أقره مجلس الوزراء الأردني، فهو معدٌ بعناية ودقّة ويلبّي التطلّعات والطموحات الوطنية في الحفاظ على هذه اللغة والإعلاء من مكانتها ووقف التراجع الذي تشهده في مجالات استخدامها، ومساندتها في وجه التحدّيات التي تواجهها، وضمان مواكبتها للتطورات الحضارية في جميع الميادين.
وينصّ قانون حماية اللغة العربيّة على أن تكون اللغة العربيّة، لغة المحادثات والمفاوضات والمذكّرات والمراسلات التي تجري بين الحكومات الأردنية والمؤسّسات والمنظمات والهيئات الدولية المختلفة، ويشترط على كلّ من يعين معلماً أو مذيعاً أو محرّراً أو إعلاميّاً اجتياز امتحان في اللغة العربيّة، وذلك إلى جانب كثير من المجالات التي تتطلب إتقان اللغة الرسميّة للدولة.
ولا شكّ في أنّ إقرار هذا القانون لا يعني أن يصبح الناس بين عشيّة وضحاها فصيحي اللسان ولا يتعاملون إلاّ بالعربيّة الفصيحة، بل إنّ ذلك يتطلب تهيئة كافية وإعداداً مناسباً للعاملين في مؤسساتنا الوطنية المختلفة: التعليمية والإعلامية والقضائية والدينية والحكومية، ويتطلب وضع امتحان نموذجي لإتقان العربيّة يشبه امتحانات التوفل بالإنجليزية يشرف عليه مختصّون وخبراء، كما يتطلب ذلك عقد ندوات للتعريف بهذا القرار وشرح أبعاده وآليات تنفيذه.
وأخيراً أتمنّى أن ينال هذا الحدث التاريخي حقّه من الاهتمام الإعلاميّ،لما يعنيه من تشبّث الأردنيين بهويّتهم وثقافتهم وتراثهم وشخصيتهم وامتدادهم القوميّ،وهي رسالة للعالم بأنّنا متمّسكون بثوابتنا الوطنية وأننا نزداد بها تمسّكاً كلّ يوم.