الكل يضغط على الفلسطينيين تحت مسميات الاقتصاد والمعيشة والرفاه المفقود. ولا تختلف هنا النخبة الفلسطينية المؤمنة بـ"السلام الاقتصادي" مع وجهة النظر الأميركية التي تسعى إلى إحداث فرق من خلال ضخ مشاريع جديدة، واللعب على منسوب الثروة في المناطق التي تخضع لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي. وبينما تنساب كلمات المؤسسات الدولية وتقاريرها ومواقف "المجتمع الدولي" حيال الحالة الاقتصادية الفلسطينية الراهنة، ينسى الجميع أو يتناسى أن ثمة كارثة اسمها الاحتلال.
آخر الضغوط ما جاء من تحذيرات في تقرير أصدره صندوق النقد الدولي قبل أيام، وعنوانه الأبرز أنه ليس أمام الفلسطينيين فرصة أخرى؛ ففشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية "من شأنه الإخلال بالاستقرار الأمني والسياسي، الذي يتبعه انكماش اقتصادي في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية". ولم يحذر "الصندوق" وحسب، بل فرش الأرض ورودا للفلسطينيين في حال تقدمت مفاوضاتهم مع الإسرائيليين؛ إذ سيزداد الناتج المحلي الفلسطيني بما يقارب 6 % سنويا، متضاعفا أربع مرات عما تحقق العام الماضي، إذ بلغ النمو 1.5 %.
"الصندوق" قدم بكائيات تتعلق بسواد العام 2013 على الفلسطينيين، وأن لا مناص من تحقيق الفائدة من الجهود التي تبذل حاليا سعيا وراء إطلاق اقتصاد فلسطيني بأدوات أكثر ارتياحا في الشأن المالي. لكن "الصندوق" أيضا لم يذكر حرفا واحدا عن عبء الاحتلال الجاثم على صدور الفلسطينيين، وكأن المطلوب من هؤلاء تقديم نموذج في قدرة المظلوم على التكيف مع ظلم أطول احتلال عرفه التاريخ المعاصر.
خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أو ما تسرب منها، في جانبها الاقتصادي الهادف إلى جذب الفلسطينيين، بدت أقرب إلى السطحية، عبر ضخ نحو أربع مليارات دولار من خلال بناء 40 ألف شقة في الأراضي الفلسطينية، يترواح سعر الواحدة منها بين 35-50 ألف دولار؛ وتصدير منتجات قطاع غزة إلى الضفة الغربية وإسرائيل؛ وإنشاء مصنع إسمنت فلسطيني، وتقديم رزم سياحية لجذب السياح الأجانب والعرب إلى فلسطين؛ إضافة إلى تطوير حقل غاز غزة البحري. فهذه "المغريات الاقتصادية" لن تفعل مجتمعة أي شيء إذا لم ينته الاحتلال وفقا للمقررات الشرعية الدولية، في موازاة إزالة المستوطنات وعودة اللاجئين.
لم يسبق في التاريخ، بقديمه وجديده، أن احتلالا ببشاعة الاحتلال الاسرائيلي انتهى إلى تسويات اقتصادية رديئة مع شعب تم هضم حقوقه بالكامل! وما يجري حولنا من "تسطيح" بنكهة اقتصادية لقضية بحجم القضية الفلسطينية، ينطوي على ظلم يفوق في قسوته ظلم الاحتلال في بداياته قبل ستة عقود ونصف العقد.