انشغلت هيئة الأوراق المالية منذ إعلان خبر إتمام صفقة استحواذ بنك الاستثمار العربي لبنك "أتش. أس. بي. سي" الأردن، بإرسال رسائل طمأنة للمستثمرين الأجانب، بأنها ستوفر من بنك عالمي جديد خدمة "الحفظ الأمين" (Custodian System)، والتي احتكر تقديمها "أتش. أس. بي. سي" في الأردن منذ العام 2006.
الأمر، حتى هذا الوقت، قد يبدو غامضا؛ إذ يتساءل البعض عن علاقة هيئة الأوراق المالية بالعمل على توفير خدمة يطلبها المستثمرون العالميون، ما دام هناك 13 شركة، من بنوك وسواها، مرخصة من قبل الهيئة لتلبية "الحفظ الأمين".
والجواب هو أن هذه الشركات الثلاث عشرة لم تكن فاعلة في ظل احتكار "أتش. أس. بي. سي"، فلا تمارس هذه الخدمة إلا 3 شركات منها، وعلى استحياء. وبالتالي، ستكون بورصة عمان في 31 أيار (مايو) المقبل من دون "حافظ أمين"، قادر على تلبية احتياجات صناديق ومحافظ أجنبية، تقدر قيمة ملكيتها من الأوراق المالية في الأردن بنحو 650 مليون دولار. وبما قد يعرض البورصة لخطر بيوعات لا تبقي ولا تذر.
وللتذكير، فقد تم البدء بخدمة "الحافظ الأمين" في الأردن منذ العام 2006، بحيث يقوم الحافظ الأمين باستخدام نظام المركز الإلكتروني الخاص به، لتعريف عملائه وفتح حسابات لهم، وحفظ الأوراق المالية الخاصة بهم؛ وتحويل الأوراق المالية المودعة بين الحسابات، إضافة إلى الاستفسار عن حركة وأرصدة عملائه من الأوراق المالية، وتسليم هذه الأخيرة إلى الوسيط المالي البائع، واستلامها (الأوراق المالية) من الوسيط المشتري، نيابة عن عملائه.
وتجبر التشريعات التي تخضع لها لمحافظ والصناديق الأجنبية الأوروبية والأميركية في بلدها، على تعامل هذه المحافظ والصناديق مع "حافظ" يتمتع بقدرات كافية ومحددة.
إذن، نحن أمام مشكلة قد تستطيع هيئة الأوراق المالية الخروج منها عبر توفير أو تفعيل "حافظ أمين" قادر على تلبية متطلبات المحافظ الخارجية. ويبدو المؤهل سريعا لهذه المهمة هو أحد البنوك العالمية؛ مثل "ستاندرد تشارترد"، أو "ستي بنك"، أو "دويتشه بنك".
لكن ما يحدث يعبر عن خطأ في التخطيط للاستثمار في بورصة عمان، عبر عدم تفعيل أكثر من مزود فاعل لخدمات "الحفظ الأمين" في البورصة. وللتوضيح المبسط، فلنا أن نتخيل لو أن شركة اتصالات واحدة ما تزال تمتلك رخصة الاتصالات في السوق المحلية؛ هل كان لنا أن ننعم كمستهلكين بالأسعار والخدمات الحالية نتيجة المنافسة؟
رب ضارة نافعة. فما حدث مع بنك "أتش. أس. بي. سي"، يُفترض أن نرى بعد عام أربعة أمناء للحفظ الأمين فاعلين في السوق المحلية، كما هي الحال بالنسبة للعديد من أسواق المال العربية. ففي دبي، مثلاً، يتوفر 7 مزودين لخدمة الحفظ الأمين، منهم ثلاثة بنوك عالمية، والبقية من البنوك المحلية، تتنافس فيما بينها على اجتذاب المحافظ الأجنبية، وتوفير الخدمات المثلى. ولو قارنا أنفسنا بالبحرين أيضاً، فسنجد أنها تتفوق أيضا على الأردن في عدد مزودي خدمات الحفظ الأمين.
في النهاية، نحن أمام انكشاف جديد على صعيد ضعف التطوير ومجاراة ما يحدث من حولنا في أسواق المال في المنطقة. وربما يكون هذا سببا، وإن لم يكن رئيسا، لعدم مجاراة بورصة عمان للنهج الصعودي لأسواق المنطقة.