منذ أيام وأنا اقوم بإعداد دراسة حول "سياسات الطاقة المتجددة في الأردن” باللغة الإنجليزية وبعد متابعة لهذه السياسات والقرارات في السنوات الماضية، وصلت إلى وصفها بمصطلح وجدت صعوبة كبيرة في ترجمته إلى اللغة الإنجليزية؛ لأنه غير موجود ابدا في تلك اللغة لاسباب تتعلق بطرق الإدارة لديهم. هذه الكلمة هي "الفهلوة” والتي تعدّ اختراعا فريدا في منطقتنا العربية، وهي سلوك يمارسه الكثيرون بشكل فردي ولكن المصيبة تكون عندما يتحول إلى طريقة في صنع السياسة العامة.
الفهلوي هو الشخص الذي يعتقد خاطئا بأنه اذكى من الآخرين ويمكن أن يضحك عليهم عن طريق تجاوز القوانين أو التعليمات أو فرض منطقه الخاص أو انتهاز الفرص الكامنة اللحظية ويعدّها شطارة. أفضل تقريب للشخص الفهلوي هو ذلك الذي يقود سيارة ويحاول أن يسبقك على الالتفاف الكامل في الشارع عن طريق الوقوف إلى يمينك وبالتالي أغلاق المسار على نفسه وعليك ايضا. عندما يصبح الفهلوي في موقع صناعة قرار، وما أكثر ما يحدث ذلك !
منذ أن بدأ موضوع الطاقة المتجددة يحظى باهتمام متأخر نتيجة أزمة النفط والغاز تتعامل الحكومة مع هذه الفرصة الكبيرة بالحد الأدنى من الاهتمام والمسؤولية والجدية. حتى في التشريعات التي صدرت للتشجيع على استثمار هذا المصدر الذي يعدّ الأسرع نموا في العالم ويحظى فيه الأردن بفرص كبيرة جدا حسب كافة الدراسات الدولية المستقلة، بقيت سياسة التردد قائمة. بعد أن حددت الحكومة قبل 3 سنوات سعر شراء وحدة الطاقة المتجددة من المستثمر لإضافتها إلى الشبكة الوطنية بدأت العديد من المؤسسات الاستثمارية بتطوير دراسات جدوى والتأسيس لعملها في الأردن بالرغم أن سعر الحكومة والذي كان 12 قرشا للطاقة الشمسية اقل من نظيره في كل دول المنطقة ولكن ذلك لم يكن عائقا امام مستثمرين متحمسين.
الآن تحولت سياسة تحديد سعر التعرفة المتعارف عليها دوليا إلى طريقة تشبه دور السيدة التي تفاصل في محل شراء القماش، وتم اتخاذ قرار بدون مشاورات ولا أسس فنية بتخفيض سعر الشراء إلى 10 قروش للكيلوواط. هذه القرار لا يعني كما يعتقد البعض تخفيض "قرشين” بل يربك كافة حسابات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الموجودة حاليا، ويبعث برسالة سيئة جدا لأي مستثمر محتمل يراقب الوضع بأن الأردن ليس جادا وليس مهتما بالطاقة المتجددة ولا يقدم السياسة التنظيمية والحوافز المناسبة لهذه الاستثمارات الهامة؛ التي من شأنها حل الكثير من مشاكل الطاقة المزمنة في بلدنا.
حرام أن يتم إدارة ملف بهذه الأهمية بطريقة الفهلوة، ويجب أن تتغير سياسة الطاقة المتجددة جذريا لتصيح ثابتة ومتقدمة وذات حوافز تستقطب المستثمرين بدلا من ترحيلهم إلى أسواق أكثر جاذبية في المنطقة، ناهيك عن التطور الكبير الذي حققته الشركات الأردنية المتوسطة والصغيرة في تطوير وتركيب وحدات الطاقة الشمسية في انتظار سياسة واعدة من الحكومة تحقق النقلة النوعية المطلوبة في هذا القطاع.
قبل أن تضيع فرص الأردن في تطوير الطاقة المتجددة التي تتسابق كافة دول العالم لاستقطاب الاستثمار فيها، من الضروري تحويل سياسة الفهلوة إلى ادراك حقيقي للواقع والتفكير العلمي بعيد الأمد، فمن يتمكن من الإمساك بالخيوط وتطوير سياسة ترتقي إلى التحدي المطلوب؟
batirw@yahoo.com