جامعة خالية من المنحوتات والرسومات التي يبدعها الطلبة، هي جامعة موات بالضرورة. فالفنون بكافة أشكالها، صورة لمدى تطور الأمم ورقيها. فالباحثون في تاريخ تطور الحضارات وعلو شأنها، كان العنوان الأول الذي يبنون عليه تقدمها، هو قيمها المادية المتمثلة في فنون العمارة والنحت والرسومات والموسيقى، قبل الحديث عن فكرها النظري.لكن بدا من الواضح أننا نعيش في مراحل انحطاط لم تشهدها الأمة العربية على مر تاريخها. والسبب يعود، بكل بساطة، إلى هيمنة الفكر التكفيري المنفلت من عقاله، والذي ارتبط بمفهوم جديد حوّل الدين من الفضاء المديني الرحب الذي يتقبل الأفكار والرؤى الجديدة وينخرط فيها ويؤسس من خلالها خطابه الحضاري الخاص به، إلى ثقافة البداوة التي لا تتسق ورحابة الفكر الإسلامي الذي انساح -بتعبير الخليفة عمر بن الخطاب- في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يلغ أي أثر مادي وجده في طريقه.ما حدث في الجامعة الأردنية من تحطيم لمنحوتة نحتها طلبة كلية الفنون الجميلة بعد العاصفة "أليكسا"، يوجع القلب، ويسجل سابقة خطيرة نخشى من توسعها لا قدر الله. فقد بادر الطلبة إلى إنتاج أعمال فنية تبقي هيبة الشجر الذي تحطم بسبب العاصفة، بفعل فني يقاوم ثقافة تقطيع الأشجار وحرقها في مواقد أصحاب البيوت الفارهة الذين يتنافخون بحرقها، فأصبحوا خبراء في معرفة رائحة الخشب المحترق؛ هذا بلوط وذاك صنوبر، والآخر سنديان من محميات عجلون!تجارة الحطب أصبحت تجارة رائجة في غاباتنا المحدودة، أسمع في ليلها الساكن صرير المناشر فيما الأشجار تأن من الذبح. وهذه ليست صورة بلاغية؛ فأنا أسمع المناشر تأكل الغابات باستمرار عندما أفر هاربا إلى مزرعتي في عجلون! ربما من يقطع الأشجار هناك يبحث عن دفء لأولاده، وآخر لبيعها لجلب خبز، وكلا العملين محرم.لكن أن يخرب عمل فني نُحِتَ على هيئة رجل، ويُعتبر أنه صنم في جامعتنا الأردنية التي حصلت على المرتبة الثالثة عشرة في تصنيف أهم الجامعات العربية، فإن هذا عمل ليس بالهين، بل هو عمل مدان ويعبر عن مدى تغلغل ثقافة ظلامية في جامعاتنا ومجتمعاتنا؛ حتى وإن كان عملا فرديا، فكما يقول المثل العامي: "أول الرقص حجل".البحث في حقيقة هذه التحولات الخطيرة في التفكير، يؤكد سريان ثقافة عدمية تسعى إلى تدمير كل شيء له قيمة جمالية. وقد شهدنا أول بواكيره في أفغانستان، ثم امتدت إلى سورية والعراق ومصر. والحجة أنها أصنام تخالف مضمون الشرع الحنيف!من أنتم؟ ومن فوضكم بهذه الأفعال البشعة التي تنحدر في سياقها إلى ثقافة النحر والذبح، وشهوة القتل؟ من يتسلح بثقافة تخريب عمل فني، لا يتوانى عن القتل. وأخشى أن "داعش" لم تمر من هنا فقط، بل عشعشت في الأذهان!
"داعش" مرت من الجامعة الأردنية!
أخبار البلد -