ضاقت الأرض بالإخوان المسلمين حتى لم تبق لهم غير تونس "مقاطعة اخوانية محررة ” ليقيموا على أرضها مؤتمر تنظيمهم العالمي في بحر هذا الأسبوع … ذلك ما كشف عنه الكاتب المصري عبد الرحيم علي مدعما أقواله بالوثائق التي تكشف الجهات المنظمة و هي مراكز أبحاث اخوانية بين تونس و تركيا تتخذ كغطاء للنشاط الاخواني.
في وثائق عبد الرحيم علي ظهرت عشرات الأسماء لقيادات اخوانية بارزة من العالم الإسلامي ،من الأردن و فلسطين و تونس و مصر باكستان و غيرها من فروع الجماعة حول العالم ،فبعد أن كانت الجماعة تعقد اجتماعات تنظيمها الدولي في مصر جاءت ثورة 30 يونيو لتنقل الاجتماعات إلى اسطنبول و التي بدورها ضاقت به بعد الفضيحة المدوية التي عصفت و لازالت بأردوغان و حزبه الاسلاموي… و هكذا لم يعد أمامهم الا تونس التي ستصبح منطلقا لأنشطتهم بفضل حزب "النهضة”.
و بعيدا عن التفاصيل اللوجستيكية و التنظيمية للمؤتمر فان إقامته في تونس هذه الأيام ينطوي على تبعات خطيرة ستنجر على البلاد من جوانب أمنية و سياسية و اقتصادية.
فإقامة مؤتمر "الاخوان” في تونس كفيل باستفزاز مصر مما ستعرض العلاقات المصرية التونسية للقطيعة مجددا خاصة و ان قبول السلطات التونسية بمثل هذا اجتماع يضرب عرض الحائط بالتزامات الدولة التونسية فيما يخص اتفاقية "التنسيق الامني المشترك في مناهضة الارهاب” … و تتضاعف حساسية الموضوع خاصة بعد تصنيف الدولة المصرية لجماعة الاخوان كمنظمة ارهابية الشهر الماضي … الى ذلك لا شك ان هذا المؤتمر الاخواني سيزيد في تعكير العلاقات التونسية مع الامارات ومع السعودية المتحالفتين في "مناهضة الجماعة” …و طبعا سيتبع ذلك سحب ما تبقى من استشمارات خليجية في البلاد … و سيؤثر بالسلب على الاقتصاد الوطني.
و من ثمة فان مراقبين كثر يعتقدون جازمين ان هنالك من يفخخ الطريق أمام حكومة مهدي جمعة المقبلة , وهو الذي يعول كثيرا في حكومته الجديدة على الودائع و الاستثمارات الخارجية و خاصة منها الخليجية (السعودية – الامارات و الكويت) لإنقاذ الاقتصاد الوطني المتهالك بعد ان رفضت الدوائر العالمية المالية مساعدة تونس في ذلك ابان حكم النهضة و تابعيها.
و إذا كانت المخاطر الاقتصادية التي تلوح في أفق تونس بتنظيم المؤتمر الإخواني واضحة وضوح الشمس في قارعة النهار , فان الأمر يزدحم بمجازفات سياسية و ديبلوماسية قد تمضي في عزل تونس عن محيطها العربي و الإسلامي , و حتى الاوروبي , و جميعهم ينظرون بعين الريبة إلى نشاطات الإخوان المسلمين الذين لم يتخففوا من ارثهم الثقيل و المهدد للتعايش الحضاري بين الامم.
و من ثمة , و في صورة انعقاد هذا المؤتمر في بلادنا , فيجب توقع صعوبات على مستوى التعاطي الديبلوماسي التونسي مع البلدان الصديقة و الشقيقة , بالنظر الى الثقل الذي تحظى به دول الخليج المناهضة للاخوان المسلمين , و قدرتها على التاثر المؤكد على حلفائها في الغرب و في الشرق من اجل عزل تونس ديبلوماسيا.
و اذا اضفنا الى ما تقدم الموقف الجزائري الحذر و المتوجس من كل نشاط مستراب على ارض الجارة الشرقية (تونس) فان الامر يصبح على درجة بالغة من الخطورة … بل هو يقارب الكارثة الاقتصادية و السياسية التي ستترك اثارا بالغة على حياة التونسيين في المستقبل القريب..
و من اوجه الغرابة ان الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني تبدو غافلة عن هذه التبعات الخطيرة , حتى ان ايا منها لم تصدر موقفا مما سيجري الى حد الان , في حين ان الامر جلل و الكارثة محدقة , و من واجب كل التونسيين التجند لابطال انعقاد مؤتمر الاخوان المسلمين على ارضهم صونا لسيادة هذه الارض , و نايا بها عن التلاعب الخارجي ناهيك عما سيجره من ويلات فورية على شعب ما زال لم يفرح بنتائج ثورته بعد , و على حكومة –قيد التشكيل- ستعاني الامرين من الاختيارات الحزبية الطائشة.