لا يحتاج المرء الى كثير عناء ليكتشف حجم الاندماج الكامل حد التماهي بين الامبريالية والصهيونية، سواء في استراتيجيتهما الرامية الى بسط الهيمنة ونهب الثروات واخضاع شعوب المعمورة لمصالحهما ام في الآليات والمقاربات التي اتبعوها سابقاً-وما يزالون-يمارسونها في ابادة الشعوب والطمس على حضارتها وثقافاتها وخصوصا في تشويه تاريخها ودمغها بالتخلف والارهاب والنظر اليها باستعلائية وغطرسة الى حدود نفي انسانيتها واعتبارها اقرب الى الحيوانات والبهائم منها الى الانسان «الابيض» المتنور والحضاري وصاحب العقل اللامع والمُبدع والمُنتج.
يمكن التأمل في التصريحات المنافقة التي «اندلعت» في الغرب الاستعماري مباشرة بعد الاعلان عن موت مجرم الحرب شارون، الذي لم يستطع المستعمرون الصهاينة حتى انكار ارتكاباته وجرائمه الموثق منها بالصوت والصورة ام تلك التي غابت عنها وسائل الاعلام او حيل بينها وبين ما قارفته العصابات الصهيونية المدعومة من الاستعمار البريطاني في فلسطين قبل النكبة الفلسطينية في العام 1948 التي يصفها المُستعِمرون، صهاينة ام رعاع الغرب المتوحش والقبيح، بأنها حرب «الاستقلال».
الرئيس الديمقراطي الذي مُنح جائزة نوبل للسلام بغير انجاز ملموس وبغير مبرر والذي يفخر بأنه قدّم لاسرائيل امنيا وعسكرياً واستخبارياً ما لم يقدمه أي رئيس اميركي آخر حتى جورج بوش الابن كذلك رونالد ريغان وبيل كلينتون، اغتنم «فرصة» موت شارون ليعيد التأكيد على التزامه أمن اسرائيل وتحالفه الاستراتيجي الوثيق معها، وكأن «للمناسبة» هذه صلة بالتعزية أو المواساة أو غيرها من الأحداث التي لا تستدعي هرولة بائسة كهذه خصوصاً في وقت تتعرض فيه الدبلوماسية الأميركية لهجوم لاذع وغير مسبوق من قبل اللوبيات الاسرائيلية واليهودية وتلك المتصهينة التي تستحوذ على وسائل الاعلام ودوائر اتخاذ القرار والنفوذ في واشنطن فقط لان اتفاق الاطار، (دع عنك جنيف النووي الايراني) الذي يطرحه جون كيري والذي هو باعتراف كثيرين بمثابة تصفية موصوفة للقضية الفلسطينية وشطب لحقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة حق العودة والقدس الشرقية ومنطقة الاغوار، بل تنادي (خطة كيري) بتفكيك بعض المستوطنات وعاصمة فلسطينية في القدس الكبرى (وليس القدس الشرقية) ما يعني ان البلدة القديمة والحرم القدسي ومساحة القدس الشرقية عشية عدوان حزيران 1967 ليست مشمولة في اي «تنازلات» اسرائيلية..
يلتقي مع نفاق اوباما، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي لا يتقن سوى شن الحروب واطلاق التصريحات النارية التي تفوح منها رائحة الحنين الى اجداده المستعمرين الذين زرعوا الخراب والدمار، ونهبوا ثروات الشعوب ولهذا فهو لا يني يدق طبول الحرب ضد سوريا ويحدد من يحق له ان يكون رئيسا لسوريا ومَنْ لا دور له، ثم يُرسل قواته الى مالي والى افريقيا الوسطى ويمارس بلطجة عسكرية، فيما لا تتوقف شعبيته في الداخل الفرنسي عن الهبوط واحراز المرتبة «الأولى» بين كل رؤساء فرنسا، في «الحضيض» الذي وصل اليه..
فرانسوا هولاند يقول إن شارون اسهم كثيراً في تاريخ «بلاده»، ولم يتطرق هذا السياسي الباهت الأداء، الإشارة الى الكيفية التي ادى بها شارون دوره، وكيف مارس هواياته في القتل وسفك الدماء وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ضد الشعب الفلسطيني، وشعوب الدول العربية المجاورة لفلسطين، وفيما يتواصل الاستيطان والتهويد والحؤول-الصهيوني والاميركي والغربي الاستعماري - دون الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.؟.
ستتوالى «تأبينات» الغرب الاستعماري لمجرم الحرب والسفاح ارئيل شارون، وسيُشاهد العرب كيف «يطأطئ» هؤلاء الديمقراطيون والمتنورون الغربيون، رؤوسهم «احتراما» لذكرى مجرم حرب وقاتل مثل شارون، كما فعلوا مع بيغن ورابين وشامير، ولربما يدرك السادرون في غيّهم او غبائهم او سذاجتهم من العرب وخصوصاً الفلسطينيين، ان الرهان على احفاد المستعمرين الغربيين مثل الرهان على السراب..
فهل يشكل موت شارون فرصة امام المفاوضين الفلسطينيين لاستعادة وعيهم وعدم التفريط بما تبقى لديهم من حقوق يجري العمل حثيثا، لشطبها او تقزيمها...حدود التلاشي؟..
kharroub@jpf.com.jo