جيل مقطوع الصلة يتكون تحت سطح المجتمع قد يكون من ابرز سماته العنف، بات يتسرب من بين أيدينا ، وهو فعليا يؤسس لمرحلة من القطيعة بيننا وبينه، تقوم على الرفض، ولا يخفي رغبته بحرماننا من أن نتدخل بشؤونه ، لتنهض جدران عالية من انعدام الثقة بين جنبات المجتمع الواحد، وسيجد هذا الجيل نفسه في عالم آخر يتشكل على وحي من تصوراته الخاصة به، وقد فقدنا عملية التواصل الجارية بين الأجيال.
جيل قادم لا يلتفت لاهتماماتنا، وهو يلفظنا، ويلفظ ثقافتنا، ويستهزئ بقضايانا، ومبادئنا، ويبحث عن نفسه بعيدا عن كل ما جسدناه من تحجر، وجمود، وعدم تفاعل مع روح العصر، وصناعة أجواء اجتماعية مانعة من حرية ممارسة الحياة.
وقد انقطعت السلسلة الاجتماعية بين الأجيال تحت وطأة سنوات ثقيلة أعقبت سقوط بقايا المشروع القومي في العراق ، وانهيار مفهوم الأمة الواحدة، وحالة من الذهول على اثر انهيار منظومة الأحلام والتطلعات التي ميزت مرحلة سابقة تم فيها رفع سقف التمنيات حتى بلوغها قمة المستحيل، وكانت مبنية على معادلة بعيدة عن معطيات العقل تستند إلى رفض الحقائق، وسيادة روح التعصب، وعدم اخذ حسابات القوة والضعف بعين الاعتبار، وإغفال الأثر المترتب على حجم الانجازات البشرية على كافة الصعد، والتي غيرت وجه الحياة، وخلفتنا وراءها كأمّة ترتع في زوايا العالم القديم ، وتعاني من عقدة اعتراف بالعالم الذي تعيش فيه، وتقبع سياسيا في السراديب، وتحيط نفسها بأسوار من العزلة عمادها الموروثات، والفهم الخاطئ للدين؛ ما أدى إلى الانعزال عن مسيرة العقل البشري، والبقاء على أوهام الماضي، وخيالاته التي انقضت في قعر التاريخ.
والأمم الحية لا تعيش على الذكريات، وإنما تجدد ذاتها، ولا تستغل تاريخها لبناء خصوصية تفضي إلى الرفض ، وعدم الاستفادة من التجارب النوعية التي يجريها الانسان على كافة جوانب الحياة، ونحن ما زلنا شعوريا لم نغادر مرحلة التفوق التاريخي، ونتخذها اداة وحيدة في نظرتنا للآخر حجبته عنا، ونسقط من الحسابات المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن الحضارة اليوم، والتي قامت في جلها على عقول غير عربية، ولا تكاد مساهمتنا فيها تتجاوز حدود الاستهلاك، والعيش على فائض العقل البشري، والتمتع بانجازات الآخرين، وقد أنتجنا عالما وهميا نعيش فيه في حالة مقاومة دنكوشوتية مع الأعداء الذين يريدون تحطيم حقنا في السيادة على الأرض ، ووجدنا مبررا لكل تخلفنا ، وعزوناه للمؤامرات التي تستهدفنا حتى في نومنا، وإذا لم نجد وسيلة للتخلص من المسؤولية فألقيناها على الحظ العاثر، أو القدر، وربما تحمل الشيطان المسؤولية الكبيرة عن سوء تصرفاتنا التي تعود بسبب اقتسامه معنا الحياة الدنيا، وبتنا عالة على الأمم، وما نزال نحتفظ في كياناتنا بكافة أمراض العالم القديم التي خلفها الزمن وراءه.
نفشل اليوم في إقناع أجيالنا القادمة بصوابية تفكيرنا، وسلامة آرائنا، وقد شوهها الفهم الخاطئ للدين، وكذلك عدم تحرر المؤسسة التربوية من وطأة القيود، وقد حولنا أدوات النهوض المفترضة إلى معاول هدم تحرم الإنسان من حريته وانطلاقته، وعاش العربي الحياة مذعورا في الدنيا، وخائفا من مستجدات الحياة .
وكانت عقولنا أولى ضحايا القوى المهيمنة على المجتمعات المحكومة بالتقاليد البالية، وها نحن نصبح عاجزين عن إقناع الجيل الذي يلينا بأننا نملك شيئا، وجاء جيلا مقطوع الصلة، ولا ابا له، وسيشرع في الحياة بأساليب جديدة، وقد يحدث الانفلات، وربما تكون المرحلة القادمة غير محسوبة غير أنها تحمل في طياتها مؤشرا، وهو أننا بتنا مرفوضين، وآراؤنا وأفكارنا لا تجد صدى عند أجيال لم تعد راغبة في استمرارنا.