القوى السياسية الإسلامية، تخوض غمار تجربة سياسيّة مكتملة، بكل أبعادها وشروطها ومضامينها، واثارها، ومشاكلها ومعوقاتها، وهي تبغي الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها، ولهم في هذا المجال شركاء وخصوم، وأصدقاء وأعداء، ومؤيدون وكارهون، وفي مجال التنافس على السلطة سوف تشتد الخصومة ويتعدد الخصوم، وسوف يبرز في الحقل نفسه خصومة وعداوة تستبيح كل ما تستطيع الوصول إليه، ولن تتورع عن استخدام كل ما لديها من أوراق قوة وأدوات ضغط، من أجل الوصول إلى أهدافها وتحقيق غاياتها، أو من أجل منع الخصم من تحقيق غايته في هذا المجال.
طريق الوصول إلى السلطة شائك ووعر، ومليء بالعقبات والمعوقات من كل جنس ومن كل لون، ويحتاج إلى امتلاك أسباب القوة وأدواتها ووسائلها، سواء على صعيد الفكر ومضامين الطرح الموضوعي، أو على صعيد الوسائل والأساليب والمقومات، بطريقة فردية وجماعية على حد سواء، وأما الاحتفاظ بالسلطة بعد الوصول إليها ، فهو أشد صعوبة وأكثر تعقيداً، إذ أن الأمر يخضع لشبكة من التوازنات التي لا عدّ لها ولا حصر، وأبرز أنواع الصعوبات في ذلك هو تحصيل القدرة على حل مشاكل الناس، من خلال المهارة والنجاح في إنزال الأفكار والطروحات على أرض الواقع، ومن خلال المهارة في تحويل الأهداف والغايات والشعارات إلى برامج عمل، وخطوات فعلية مدروسة، يقوم عليها منفذون يمتلكون الخبرة والتجربة والتخصص، ويمتلكون الهمة والحماس، الممزوجة بالأمانة والانتماء الوطني من أجل النهوض بالواقع الذي يحسه الناس ويشاهدونه ويلمسون آثاره بوضوح.
فليس كل من يمتلك الفكرة الصحيحة، يمتلك القدرة على تنفيذها، وليس كل من يمتلك القدرة على التنفيذ يمتلك القوة والأمانة، وليس كل الأقوياء الأمناء يمتلكون القدرة على التطوير والتحسين والنهوض ويمتلكون الأمل الفسيح، وليس مجرد الانتساب إلى الدين كافياً لامتلاك العصا السحريّة، التي سوف تحل المشاكل وتحول دون المعوقات، ولن يكون ذلك تحصيناً من السقوط أو الرسوب أمام سنن الكون الصارمة التي لا ترحم العاجزين عن تسخيرها بعد فهم مكنونها وأسرارها.
والسؤال الكبير المطروح: هل يتعرض الإسلاميون فعلاً إلى مؤامرة؟! وهل يتعرضون إلى مخططات دولية وإقليمية ومحلية للحيلولة دون وصولهم إلى السلطة ومراكز القرار؟! والتي تحاول إفشالهم في حال وصولهم؟! أم أن ذلك مجرد وهم !!
إن الذين يسارعون بالإجابة بالنفي، وأنه ليس هناك مؤامرة أو محططات دولية وإقليمية !! ويعقبون بالوصف بأن هذا إفراز (عقلية المؤامرة) التي ابتليت بها الأمة! فهذه الإجابة تحمل كثيراً من معاني التعجل والتسطيح، وإغماض العيون عن الحقيقة، وهذه الإجابة تفتقر إلى العلمية والموضوعية بحدودها الدنيا، وذلك سبب بسيط جداً، أنه لا نجاح في أي مجال سياسي أو اقتصادي أو علمي على صعيد عالمي أو إقليمي أو محلي إلّا من خلال تخطيط مرسوم وبرامج وإعدادات، ووجود تفكر وتنظر وتنفذ وتقوّم وترصد، وهنالك تنافس محموم بين الأقوياء وتسابق بين الخصوم لا يتوقف لحظة، وهنالك رابحون وخاسرون في كل جولة على مدار الأيام والسنوات، وهناك من يحاول التنبؤ في مسار الأحداث ويستعد لها، وهنالك من يحاول أن يستثمر في الأحداث بعد وقوعها، فيما لو وقعت بغير فعل يده، أو دون توقعه، من أجل التكيف معها وتطويعها لتخدم مخططه، وهناك من يبلع الطعم ويقع في المصيدة !!
الإسلاميون وغيرهم ينبغي ألاّ يخطر ببالهم لحظة واحدة، وألاّ يغفلوا طرفة عين عن حقيقة وجود مخطط لخصومهم أو مؤامرة من منافسيهم على كل صعيد وفي كل مجال، وفي كل صغيرة وكبيرة، ولكن ما يجب قوله في هذا السياق أنه صميم العجز عدم توقع هذه المخططات وعدم فهمها وعدم إمتلاك القدرة على التعامل معها، والعجز كل العجز يتمثل بالإخفاق في فهم حقيقة الخصم وطبيعته، وما يمتلك من أوراق وأدوات، ومواجهة مخططاته المتوقعة بكفاءة.
إن تبرير الفشل في تحقيق الأهداف أو تبرير عدم القدرة على تحقيق الشعارات على مشجب وجود مؤامرات ومخططات للخصوم!! ما هو إلّا اعتراف بالعجز المصحوب بالجهل والغباء، الذي يحاول كسب المزيد من الوقت على حساب البسطاء والبلهاء من الأتباع، الذين لا يمتلكون أدوات المحاسبة والتقويم، ولا يمتلكون أدوات التغيير، على صعيد أنفسهم أولاً.
لا سبيل للتغيير الحقيقي والجوهري إلّا عبر مجتمعات متمكنة، ولا سبيل إلى التمكين المجتمعي عبر أحزاب وقوى سياسية تفتقر إلى التمكين الذاتي أولاً على صعيد أفرادها وتنظيماتها، وعاجزة عن تمليك قواعدها حرية التفكير، والقدرة على التقويم والتطوير والتغيير على صعيد مجتمعاتها ثانياً.