معظم مطالب الحراك تم تلبيتها، فالإصلاح السياسي يتم تدريجيا، حتى القضايا المطلبية نفذتها الحكومة دون أن يرمش لها جفن، فهل من أسباب أخرى لتراجع الحراك ؟
معظم الشعارات التي رفعتها الحراكات كانت إقتصادية، الخصخصة والبطالة وتوزيع مكاسب التنمية وتنمية المحافظات والفقر والفساد وغيرها، وجدت استجابة، فشكلت لجنة لدراسة وتقييم برنامج الخصخصة والسياسات الإقتصادية وهناك صندوق لتنمية المحافظات خصص له إنفاق كبير ولم توفر الحكومات المتعاقبة جهدا لإختراع الوظائف وشهدت أروقة المحاكم إحالة قضايا فساد بالجملة، بعضها كان جديرا بالإحالة وبعضها كان أخذا بالشبهة ولم يتبق للهيئة سوى تلقي الشكاوى وبعض القضايا الهامشية.
الحراك بات يقتصر على وقفات صغيرة هنا هناك تكرر نفسها حتى الحركة الإسلامية الأقدر والأكفأ ماليا والتي تحرص على احتلال وسط البلد لساعات قليلة من نهار أيام الجمع، بدأت تكتفي بالبيانات والرسائل.
في فترة ما كان يجد كل من يخرج إلى الشارع بشعار مطلبي أو سياسي ضالته، ليس لأن التعامل الأمني مع الحالة كان ذكيا فحسب، بل لأن الاستجابة السريعة حتى لو كانت مكلفة كانت تتكفل بذلك.
زيادة على المتغيرات في الإقليم وصدمات نتائج الربيع، ما سبق، أسباب تبدو كافية لتفسير تراجع الحراك ولا نقول نهايته، فطالما هناك مطالب كان الحراك مستمرا، لأنه بات أسرع وأفضل وسيلة للضغط.
دعونا نضيف أسبابا أخرى لكل ما سبق، فكما أن للحراك كلفة على الخزينة فهو مكلف أيضا على أصحابه.
الكلفة على الخزينة معروفة وقد أفصحت الحكومة عنها بالارقام، لكن الكلفة على الحراك غير معروفة وهي كبيرة، بين حركة ونقل وشعارات ويافطات وطباعة واتصالات وإمدادات لوجستية وطعام وشراب ووسائط نقل وسيارات وحافلات في عمان وأحيائها والمحافظات وهكذا في برنامج معد ومحسوب يتطلب نفقات كبيرة تتجاوز قدرة الأفراد.
بعد مضي ثلاث سنوات استنزفت فيها هذه الحراكات الدولة، فقد أنهكت أيضا أصحابها، لكن الفرق هو أن إمكانيات الدولة على تحمل تكاليفها أكبر وأطول نفسا، وسواء كانت الحركة الإسلامية أو رعايات ومساهمات فردية وراء كلفة الحراك فعلى الأرجح أن قدراتها المالية قد أنهكت أو أنها لم تعد تجلب منفعة.