تصريحات كيري الأخيرة التي تحدثت عن تسارع في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية سببت تشويشا كبيرا، لأن كثيرين اعتقدوا أن هناك صفقة قريبة.
في المعلومات أن المفاوضات متعثرة جدا، لأن اسرائيل تريد دولة فلسطينية مؤقتة دون اعلان القدس عاصمة، شريطة أن تبقى مؤقتة لعشر سنوات يتم خلالها بحث بقية التفاصيل.
اسرائيل اشترطت أيضا عدم الانسحاب من ثمانية وخمسين من مساحة الضفة الغربية، وعدم اخضاع القدس للتفاوض، واعتراف الفلسطينيين أيضا بيهودية إسرائيل، والسيطرة على غور الأردن، المشترك بين الأردن وفلسطين، والطلبات الإسرائيلية تعجيزية.
مروان المعشر نائب رئيس الوزراء الأسبق قال قبل عامين تقريبا إن حل الدولتين انتهى ميدانيا وفعليا على الأرض، ومسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون يعتقدون أيضا أن حل الدولتين انتهى عمليا.
هناك إحساس شبه أكيد في عمان بأن «الفرصة الأخيرة» التي يتم الكلام عنها للحل السلمي باتت أخيرة من حيث نتائجها، فلا دولة فلسطينية ولا حل للقضية الفلسطينية، والاوضاع تتدهو نحو الاسوأ.
اسرائيل -كما هو معروف- ترفض حل الدولة ثنائية القومية، ومجرد اعتراف الفلسطينيين بيهودية اسرائيل يعني منع اللاجئين من العودة الى فلسطين ثمانية واربعين، ويعني ايضا تهديد كل الفلسطينيين، عبر تحويلهم إلى مقيمين مؤقتين، بدلا من المواطنة الحالية التي تضمن بقاءهم في مدنهم وقراهم واستقرارهم على أرض الآباء والأجداد.
هذه المعلومات المتسربة التي يتم تداول بعضها أحيانا، تشي أيضا، بعدم قبول المفاوض الفلسطيني لأي تنازلات، لأن أي قبول محفوف بالخطر، ولايقدر عليه المفاوض الفلسطيني أساسا في ظل ظروف مختلفة يتأثر بها ويرضخ لها بشكل طبيعي.
يأتي السؤال هنا حول الذي سيفعله الفلسطينيون تجاه هكذا وضع، فالخيار الأردني مرفوض اردنيا وفلسطينيا، وهذا الخيار لم يعد قائما لأن الضفة الغربية لم يتبق من مساحتها إلا اقل من النصف، ولايمكن للاردن ان يتورط هنا بإدارة سكانية، او قبول شكل وحدوي يؤدي الى دمج مليوني فلسطيني في الضفة مع دولة قائمة هنا !.
أي وحدة ستعني بهذه الطريقة اندماجا بين شعب ودولة، وليس بين دولتين، ولعل اللافت للانتباه ايضا أن أهل الضفة الغربية لايريدون هكذا حل، لأنه غير عادل بالنسبة اليهم، وغير عادل بالنسبة للأردنيين، ومجرد طرح هذا السيناريو يتسبب بعواصف في كل مكان.
يبقى الخطر الآخر الذي لا يناقشه احد، والمتعلق بتهديد كيانية الاردن السياسية الحالية، في سياق ترحيل الفلسطينيين الى الاردن، وحل مشكلة اسرائيل من جهة، والتخلص من السكان من جهة اخرى، وهذا حل فيه جانب خيالي على خطورته، لأن إمكانات تطبيقه ليست بهذه البساطة، لا في الأردن، ولا عبر الفلسطينيين أيضا، فالموانع أمامه مضاعفة، والبشر في الضفتين ليسوا خرافا يقادوا الى المذبح الإسرائيلي بهكذا سهولة.
لا نية -حتى الآن- لإطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، إلا إذا حدث تطور مهم على صعيد ملف المسجد الاقصى، والأمر ذاته يأخذك الى بقية المدارات المتاحة أمام الفلسطينيين، وكلها مغلقة، ما يجعل المستقبل محيرا وغامضا.
بعيدا عن كل شيء، فإن أهم ما يمكن أن يقدمه الشعب الفلسطيني لقضيته وأرضه هذه الأيام، يأتي تحت عنوان «البقاء في فلسطين»، وهذا عنوان مهم جدا لأن الديموغرافيا تختل عاما بعد عام لصالح الفلسطينيين، وإذا كانت اسرائيل ابتلعت الأرض وتهدد شعب فلسطين كل يوم، فإن الصخرة الوحيدة التي مازالت اسرائيل تقف امامها عاجزة ومشلولة هي صخرة بقاء الفلسطينيين في بلادهم، ومدنهم وقراهم، رغم كل هذا التنكيل الذي نراه.
مجرد البقاء يعني نسف سيناريو تفريغ فلسطين أو تهويدها أو تحويل مشروعهم الى دولة يهودية نقية، ويعني عرقلة لكل افاق المشروع الصهيوني.
كل من يعيش في فلسطين يقف في وجه أكبر مشروع استعماري يهدد المشرق العربي، من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه...وهذا حقا رباط يفوق كل رباط.
mtair@addustour.com.jo