لماذا تصدر خبر رحيل مانديلا؟
- السبت-2013-12-14 | 12:03 pm
أخبار البلد -
في سابقة مدوية، إكتظت نشرات الاْخبار العربية أو الناطقة بها، كما ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر رحيل القائد الانساني مانديلا.
وفي هذا الشأن يبرز علينا سؤال جوهري، ما السبب الذي أدى الى إحتلال هذا الخبر صدارة وسائل الاعلام، ووجدان الاْفراد الذين يحملون على أكتافهم وسائل الاتصال الاجتماعي وحراكه.
كم لفت نظري أيضا بعض الاْفراد وبعض الشيوخ الذين حاولوا الانقضاض على هذه القامة الانسانية، محاولين سحب رصيده في السموات العليا!
نيلسون مانديلا ذو تاريخ مديد في مقارعة قوى العنصرية والتمييز، هو لم يحمل سلاحا، ولم يطلق في عمره رصاصة واحدة. وفي مقارنة بينه وبين جيفارا مثلا، نجد أن قامته فرضت هيبة وحضورا تأثر به حتى أعداءه.
وهنا يطرح سؤال آخر: هل النضال ضد التمييز فاق شهرة النضال ضد إحتلال الاْرض؟ وما الفرق بين الاثنين؟ وما الفرق بين احتلال واحتلال؟
في خضم التأمل في هذه المقارنات والمقاربات، نستحضر هنا أشكال لاحتلالات عديدة، ولعل أهمها الاحتلال التركي للعالم العربي لمئات السنوات، حيث تجلى الاحتلال التركي في ضرب كل فرص الارتقاء العلمي والمعرفي والمجتمعي، ليس هذا فحسب بل كان هذا الاحتلال يعمل على اجتثاث العقل، والعاطفة التاريخية، والروح الوطنية، والحرية الانسانية.
لقد وصلت وحشية الاستيلاء الى درجة الاستيلاء على النساء والاْمهات كسبايا، والاستيلاء على الرجال كعبيد للجيش التركي وأطماعه السوداء تحت مسمى الدين.
تاريخ تفكيك عالمنا العربي ومجتمعاته زاخر بالاحتلالات التي استهدفت وأد المكون الانساني للفرد العربي، وكأن المحتلين ثابرو دوما على الانتقام من موروث عربي إنساني تجلى عبر العصور، وساهم في إرتقاء الانسانية العالمية، من خلال أديانه السماوية، وعلومه، وفلسفاته، وأدبه، وعلمائه الذين ساهمو في تحريك كل ماهو بشري الى كل ماهو إنساني.
ولعل هذا الموروث الذي ارتقى بالانسانية قد أخاف قوى الاستعمار من التفوق العربي الانساني، فكان عقابنا بانشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وقدسها، صاحبة القداسة الاسطورية، والمرجعية الروحية والاخلاقية لكل الانسانية.
فالاحتلال الصهيوني لم يكن صدفة تاريخية اكتفت باحتلال الاْرض، بل مخطط اجتثاثي لمرجعية كل منطقتنا الثقافية المقدسة، اجتثاث للجزيرة العربية، وللشام، وللمغرب العربي وذلك من خلال وأد فرص تقدم الاْفراد.
"إسرائيل” قاعدة متقدمة للغرب، أقيمت على أساس عرقي وديني وعنصري وتمييزي، جعل من الدين قومية وطنية أرضية. الدولة العربية رغم مسماها بالاسلامية (الدولة العربية الاسلامية) لم تمارس يوما سيادتها كقومية دينية، بل كقومية أخلاقية عربية إنسانية، تجلت في سيطرة العرب على زمام القيادة الانسانية. الدولة العربية الاسلامية لم تمارس الاقصاء أو التمييز الديني، ولا التعنصر المقيت، من هنا ارتقت بالعلوم، وبالثقافة مثلها مثل الولايات المتحدة الاْمريكية في هذا العصر دون ظلم وقسوة وعنصرية الطبقة الحاكمة في أمريكا الشمالية.
من هنا أتى المشترك بيننا وبين تاريخ جنوب أفريقيا في الاقصاء، والتمييز، والعنصرية، وتحطيم المجتمع عبر تحطيم أفراد المجتمع باغتصاب أرواحهم وأجسادهم وإنسانيتهم. لقد كان رد نيلسون مانديلا مختلفا عن الرد الفلسطيني، لابل كان أكثر فعالية وفضحا لممارسات حكومة البيض الجنوب أفريقية، فقد مارس كل أشكال النضال السلمي، الذي جعل حتى أعدائه في صفوف الخجلين من ممارسات العنصرية البغيضة لحكومة البيض العنصرية.
لماذا شكل نيلسون مانديلا ضمير العالم واحتل خبر غيابه صدارة الاعلام؟ لاْنه ببساطة حارب العنصرية، وناصر الانسانية نيابة عن كل فرد من أفراد العالم المقهور. ولماذا نجح هذا القائد وحزبه (المؤتمر الوطني) في هزيمة التمييز والعنصرية؟ لاْنه وحزبهمارسوا الإيمان بالمساواة، وبالعدالة، وكانو ناقدين لاْنفسهم في الممارسات المشينة، ولعل أحدها قرار مانديلا طلاقه من زوجته "ويني” بعد خروجه من السجن لاْنها ارتكبت انتقاما أعمال قتل وحشية ضد البيض!! درس هام يعلمنا إياه مانديلا، لننجح في دحر العنصرية والتمييز والاحتلال، علينا أن نكون أحرارا، عادلين، نؤمن بالمساواة الانسانية، علينا أن نكون مندوبين شرفاء للانسانية في قتالنا ضد الاقصاء والاجتثاث الانساني.
ولا ننسى هنا أن وأد الاْفراد، واجتثاث روحهم الوطنية بات يمارس من أنظمة الحكم العربية وغيرها، فالتمييز لم يعد يمارس من المحتل، بل من أنظمة الحكم، كثيرة هي الاْنظمة التي تساوت ممارساتها مع حكومة البيض في جنوب أفريقيا.
مانديلا كان بحجم العالم أخلاقيا، بل تفوق عليه هو وحزبه المناضل الشريف. احتلال مانديلا لصدارة الاخبار العالمية كان صرخة عبر عنهاالمظطهدون فيالعالم عن معاناتهم. من هنا قال مانديلا: "نحن نعلم أن حريتنا ليست كاملة من غير حرية الفلسطينيين”، فالقضية الفلسطينية عنوان صارخ لاحتلال الانسان من الداخل، وقتله وهو على قيد الحياة.