تماما كما يوجد مؤشر يحدد قيمة دَيَن الحكومة، يتوفر حاليا مؤشر آخر يُعنى بتقدير حجم الديون على الأفراد.السؤال هو: هل نحن شعب غارق في الدين وبلا ثروات، أم لا؟المؤشرات الحديثة التي صدرت عن البنك المركزي تتحدث عن هذه الجزئيات، وتؤكد أن لدى الأردنيين ثروات تقدر بقرابة 21 مليار دينار، فيما لا يتجاوز مجموع دينهم 7 مليارات دينار.للأفراد ميزانية، تماما مثل الحكومة؛ فيها جانب موجودات يُفترض أن يتكون من ودائعهم بالدينار والعملات الأجنبية، وكذلك العقارات والموجودات المالية (أسهم وسندات)، فيما يتكون جانب المطلوبات من مديونية الأفراد، اعتمادا على المعلومات المتوفرة لدى البنك المركزي ومركز إيداع الأوراق المالية.رقميا، فإن موجودات الأردنيين ليست قليلة، إذ بلغت 20.810 مليار دينار خلال العام الماضي، في مقابل ديون أفراد يصل مجموعها إلى حوالي 6.967 مليار دينار. وبطرح الرقم الأخير من الأول، تكون قيمة صافي ثروات الأردنيين 13.8 مليار دينار؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أن الموجودات لا تشتمل على العقارات، لعدم توفر بيانات حولها لدى البنك المركزي، وبما يسمح تالياً بافتراض أن ثروات الأردنيين ستكون أعلى في حال أَخْذ هذه الجزئية بعين الاعتبار.عموما، ليس الدين العام للحكومة المركزية هو الذي يزيد فقط، بل كذلك هي أيضا حال مديونية الأفراد التي أخذت اتجاها تصاعديا منذ العام 2010، حينما بلغت 5.3 مليار دينار في ذلك العام، وصولاً إلى 6.9 مليار دينار في العام 2012.واليوم، فإن ثروة الأردنيين أقل مقارنة بسنوات ماضية. وبالأرقام، فقد بقي هذا المؤشر متأرجحا، ليصل إلى نحو 13.9 مليار دينار في العام 2010، و14.1 مليار دينار في العام 2011، قبل أن يعاود الانخفاض إلى حدود 13.8 مليار دينار في العام 2012.وقد ارتفعت نسبة مديونية الأفراد إلى الثروة خلال العام الحالي لتبلغ 50.3 %، صعودا من 42.4 % في العام 2012، و38.4 % في العام 2010. ما يعني أن ديون الأفراد ما هي إلا مرآة وانعكاس لمديونية الدولة، والتي وصلت حدودا حساسة، ويتوقع أن تصل نهاية العام المقبل إلى نسبة 79 % من الناتج المحلي الإجمالي.بلغة بسيطة؛ مديونية الفرد ارتفعت أيضا خلال السنوات الماضية، لكن ليس إلى مستويات خطيرة. والمؤشر ليس سلبيا، كون قيمة الموجودات ما تزال تتفوق على الدين بكثير. هذا الواقع يدلل على وجود أموال بين أيدي الناس، خصوصا الودائع منها، لكنها غير مستثمرة بشكل يساعد على النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية نتيجة حالة عدم اليقين التي تسود وتغيّب الأفق.بحسب تقرير الاستقرار المالي الذي أعده البنك المركزي الأردني؛ فإنه لا توجد نسب معيارية على صعيد نسبة مديونية الأفراد. لكن المعلومات التاريخية للدول تشير إلى أنها بحدود 60 %. وهو ما يؤكد، مرة أخرى، أن مديونية الأفراد في الأردن لم تصل بعد حدود الخطر، وما تزال ضمن نسبة أقل من الحدود العالمية.مؤشر الدين والثروة مهم، كونه يكشف عن مدى تعافي موازنة الأفراد. وأهمية هذه المسألة تتبدى في أنها ترتبط بشكل وثيق بالاستقرار النقدي، الذي يرتبط، بدوره، بعلاقة طردية مع الاستقرار؛ فكلما زادت المديونية نسبة إلى الدخل، تعاظمت التهديدات التي تطال الاستقرار النقدي، الأمر الذي يتطلب توجهات من "المركزي" تحدّ من تزايد منح التسهيلات للأفراد، بنسب لا تنسجم مع قيمة المداخيل ونسب نموها.بالنتيجة، نحن شعب يملك ثروات معقولة، ولم نغرق في الدين بعد، نسبة إلى عدد الأردنيين المقدر بحوالي 7.9 مليون نسمة ممن يحملون أرقاما وطنية. لكن تلك الثروات بحاجة إلى استثمار حتى تنمو؛ ما يعيد فتح الباب للحديث عن ضرورة خلق أجواء إيجابية تحفز الاستثمار، وبحيث لا تبقى الثروات أموالا تُكدّس في البنوك، أو توجه في إنفاق استهلاكي غير ذي نفع.والسؤال المهم حول هذه الثروات، كم منها يعود للطبقة الوسطى، وما حصة الأثرياء منها، لنحكم كم باتت الفجوة واسعة بين الأردنيين أغنياء، وفقراء؟