خلال السنوات الثلاث الماضية اصدر كافة المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كتبا تفصيلية تروى مذكراتهم في البيت الأبيض. بالنسبة لي قرأت فقط وباهتمام ومتعة مذكرات كوندوليزا رايس لأنها الوحيدة من بين تلك الإدارة التي كانت تتمتع بالحد الأدنى المطلوب من مستويات الذكاء التي تستحق القراءة. في كل دول العالم تقريبا يروي السياسيون مذكراتهم وبشكل تفصيلي إما لعرض وجهة نظرهم حول الأحداث التي تمت وإما لتبرئة أنفسهم من بعض القرارات والسياسات التي ثبت خطؤها أو لرسم صورة بطولية عن أدائهم في حياتهم السياسية.
في الأردن هنالك نقص فادح في المذكرات السياسية وحتى في كتب التوثيق التاريخي. هنالك بالطبع مذكرات متفرقة لسياسيين كبار مثل هزاع المجالي ووصفي التل ولكنها لم تجمع بالشكل السليم. هنالك مذكرات لمعارضين مثل: يعقوب زيادين وعبد الرحمن شقير وجمال الشاعر. هنالك أيضا مذكرات لإداريين وسياسيين مهمين في الدولة مثل: عبد السلام المجالي وزيد حمزة وعلي محافظة ولكنها كانت أقرب إلى السرد الشخصي من الأسرار السياسية والتحليل للاحداث. في هذا المجال يجب ذكر كتاب مروان المعشر "نهج الاعتدال العربي” الذي جمع ما بين المذكرات الشخصية والتحليل الأكاديمي-السياسي الرفيع في منظومة موحدة.
سنحت لي الفرصة قبل أيام لمقابلة رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات وذكرت له أنه سيحقق إنجازا عظيما في تاريخ السياسة الأردنية لو كتب مذكراته التي تتضمن تفاصيل عن أهم سنوات العمل السياسي في البلاد ولكنه وإن أظهر اللباقة المعتادة منه في الرد لم يؤكد وجود نية لديه في كتابة المذكرات. نفس الشيء ربما ينطبق على سياسيين آخرين يفضلون الاحتفاظ بالأسرار وعدم كشفها لأسباب عديدة.
على صعيد التوثيق السياسي هنالك ايضا نقص فادح في توثيق تفاصيل السياسة الأردنية، ولعله من المفارقات المؤسفة أن أهم عملين توثيقيين للسياسة الأردنية كانا من نتاج عمل باحثين إسرائيليين. العمل الأول هو كتاب "أسد الأردن” الذي يحكي تفاصيل مثيرة كشفت للمرة الأولى عن حياة الراحل الملك الحسين بن طلال وألفه الباحث الإسرائيلي آفي شليم الذي حصل على الكثير من الوثائق. العمل الثاني، هو كتاب الباحث آشر سوسر حول حياة وصفي التل والذي يشكل مرجعية في منتهى الأهمية ربما كانت أهم ما كتب بشكل علمي وتوثيقي عن شهيد الأردن ومن دون التهم المسبقة أو محاولة البعض للتشبه به لطرح أفكار وتوجهات غريبة عن فكر وصفي التل.
هنالك تقصير كبير من قبل السياسيين الأردنيين في كتابة المذكرات وهذا ما يفتح المجال للكثير من الإشاعات والتأويلات المغرضة وكذلك عدم إدراك الأجيال الجديدة من النشطاء السياسيين في البلاد لحقيقة الأحداث التي جرت في العقود الماضية والتي تسببت في تأسيس الدولة الأردنية وإداراتها ومواجهة التحديات التي مرت بها البلاد أو خلق المشاكل التي تعاني منها حاليا.