انطلقت المبادرة من ضرورة الاتفاق على هدف إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بمرجعية قيمية حضارية إسلامية، تتسع لكل مكونات مجتمعها، وتعترف بالتنوع الاجتماعي والتعددية الدينية والسياسية، بشكل راسخ، دون موازنة أو تكتيك زمني محدد، وتطرح مشروعاً للحوار الوطني الشامل ضمن منهجية تشاركية عادلة تبتعد من خلالها عن كل أساليب الاستفراد بالسلطة من جانب وأساليب الإقصاء والتهميش للرأي المخالف من جانب آخر.
ما نطرحه يهيئ لخطاب إعلامي جديد، ومنهجية سياسية جديدة تتجاوز الماضي وتاريخ الصراع الطائفي والمذهبي والفكري الذي أضر بالأمة وسلبها قوتها، وجعلها فريسة سهلة بيد أعدائها، وبدأنا نلمس بعض الثمار من خلال اللغة التصالحية التي فاء إليها بعضهم، ومن خلال إعلان القبول والموافقة من أطراف كثيرة كانت أقرب إلى الخصومة والمشاكسة خلال المرحلة السابقة.
هذه الأفكار وهذه المنهجية المطروحة لا يقلل من قيمتها أن تعلن بعض الأطراف قبولها أو الموافقة عليها، ولا يقلل من أثرها ومقدار صحتها نسبتها إلى أي جهة أو مكون من مكونات الدولة، فهي تستمد قوتها من ذاتها ومضامينها، وما تحتوي من معاني وحقائق، وينبغي أن نعترف بحق كل صاحب فكر ومنهج أن يدلي بدلوه تجاه ما يطرح، وأن يتناول هذه المضامين بالمناقشة العلمية والحوار الدافئ والنقد الموضوعي، البعيد عن لغة الاتهام والتشهير، والتوظيف الشكلي الذي لا يليق بالعقلاء، ولا يليق بأصحاب المكانة الذي يحترمون عقولهم، ويحفظون كرامة أنفسهم أولاً.
المبادرة التي طرحت أفكارها عبر الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية، وعبر المؤتمرات الإعلامية والمقابلات الصحفية وعبر الفضائيات المحلية وغير المحلية، وهناك منشورات مطبوعة وموزعة ومتوافرة عبر شبكة المعلومات، تفتح ذراعيها لكل كلمة تتناول الأفكار والمضامين، ومستعدة لمحاكمة علنية أمام الجمهور الأردني والعربي وأمام العالم كلّه.
بقية مقال د. رحيل غرايبة
المنشور على الصفحة اخيرة ج1
نحن نشعر بالفخر والاعتزاز تجاه ما نطرحه من أفكار، ونعلن عن أتم الاستعداد للتعاون مع كل وطني غيور يعمل على مصلحة البلاد والعباد، ولا مجال للمساومة على أي فكرة تتنطلق من فهم واسع وعميق للإسلام العظيم، الذي يشكل مصدراً لهوية الأمة الثقافية، ويحدد معالم شخصيتها، ويبني ركائز مشروعها الحضاري النهضوي الذي تفاخر به الأمم.
العمل الدؤوب على نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة، والعمل على توضيحها وتجليتها بكل الوسائل واجب شرعي، والعمل على خدمة الشعب والأمة وإيجاد الأفكار التي تحقن الدم واجب وطني لا يجوز التقاعس عنه ولا يحتاج لإذن من أي طرف.
ما طرحته المبادرة من أفكار ومعان حول مفهوم الدولة المدنية والتعددية، وحول حقوق المرأة، والأقليات، وحول إسهام المواطنين المسيحيين في المشروع الحضاري تنطلق من صميم الإسلام، وهو فهم أصيل مستند إلى تأصيل شرعي سليم، وليس تقليداً لقول أو استنساخاً لتجربة أخرى، مع ضرورة الاستفادة من كل التجارب الصحيحة والناجحة، وهو قول يعبّر عن جوهر الفكرة الصحيحة للحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، ولا نذيع سراً إذا قلنا إن هناك جدلاً وحواراً طويلاً منذ زمن بعيد داخل أروقة الحركة الإسلامية حول هذه القضايا، التي يعدُّها بعضهم من باب التحديث المرفوض أو نوعا من الفكر المنهزم الذي يبتغي رضا الغرب، أو تزلفا إلى المخالفين، ومن هنا فإن الخوف والقلق يكمنان في محاكمة الأفكار وليس الأشخاص، ومحاكمة الفهم الجديد وليس محاكمة المبادرة، حيث صدر ما يعبر عن ضيق بعضهم، إزاء هذه الأفكار وهذه المفاهيم التي طرحتها المبادرة وما سببته من صداع لرؤوسهم.
ما نود أن نؤكد عليه بإصرار أننا ماضون بنشر هذه الأفكار وتوضيحها وتجليتها، لتصبح رأياً عاماً، وتجميع الأردنيين حولها بما نستطيع من جهد، ونحن نواصل دعوة كل الأطراف والقوى السياسية وجميع المكونات الاجتماعية دون استثناء، ولن نخوض في معركة الاستنزاف الداخلي، ولن ننجر إلى مربع المناكفات مرة أخرى.
المبادرة تعد إضافة نوعية على صعيد الفكر وعلى صعيد الفهم، وعلى صعيد العمل الوطني، ونأمل من كل الناقدين والناصحين، ألا يحجب ضيق النظر صواب الرؤية، وألا تؤدي الخصومة الى غمط الفكرة، وألا تؤدي الجفوة إلى ظلم في التقويم وإجحاف في التقدير وتعسف في اطلاق الأحكام، وبقي أخيراً أن نخضع إلى البديهة القائلة إن الأفكار لا تموت ولا تفنى، والأشخاص هم الذين يموتون، والأفكار المنبثقة من الإسلام العظيم ليست زبداً ولا تذهب في جفاء، بل الزبد يتمثل بالجهل وضيق الصدر والبحث عن الاغتيال والتشفي والانتقام.