يدرك نواب كثر أن طرح الثقة بالحكومة في هذا التوقيت، هو بمثابة التغريد خارج سرب الدولة. اجتماع رفيع المستوى لأركان الدولة كان حاسما بهذا الشأن؛ ليس هذا وقت المماحكات. هناك مهمات وأولويات تشريعية لابد من إنجازها، بدل إضاعة الوقت في عمليات استعراض القوة تحت القبة. رؤساء المجالس الثلاثة؛ الوزراء والأعيان والنواب، يعلمون ذلك.لكن ما العمل وقد أُدرجت مذكرة طرح الثقة التي تقدم بها 17 نائبا على جدول أعمال جلسة النواب اليوم؟ربما لا تكون الأغلبية النيابية متحمسة لفكرة طرح الثقة، لكن من يتجرأ على التصويت ضد مناقشتها، سيعرّض نفسه للهجوم والنقد من قواعده الانتخابية الغاضبة من سياسات الحكومة الاقتصادية. لو افترضنا جدلا أن النواب قبلوا المذكرة، وطلبت الحكومة مهلة العشرة أيام للرد عليها قبل طرحها للتصويت، ماذا ستكون نتيجة التصويت؟سيكون النواب أمام وضع محرج؛ فمن لا يؤيد حجب الثقة عن الحكومة سيخسر ثقة قواعده الشعبية. الموقف محير حقا، والمساعي تبذل منذ يومين لتجنيب النواب موقفا محرجا، فهل من مخرج؟المخرج من وجهة نظر البعض هو تهريب النصاب اليوم، والحؤول دون عقد الجلسة، على أمل تبريد الأجواء، ومن ثم "تسييل" مذكرة حجب الثقة مثلما حصل في مرات سابقة.لكن لهذا الخيار محاذيره أيضا، وقد يدفع بنواب من غير الموقعين على المذكرة إلى الاحتجاج على ما يمكن ان يوصف بأنه اعتداء على هيبة المجلس، فتتوسع دائرة الموقعين على المذكرة، لدرجة يصعب معها إنقاذ الحكومة من شبح السقوط تحت القبة.ثمة من يعتقد بأن الحكومة تبالغ في قلقها من فكرة طرح الثقة، وتعطي الأمر أكثر من حجمه. وبسلوكها المرتبك هذا جعلت من خطر حجب الثقة سيفا مسلطا على رقبتها، تخشى أن ترفع رأسها في مواجهته خوفا من أن يقطع. إذا كانت الحكومة واثقة من سلامة نهجها في الحكم، وصحة خياراتها الاقتصادية والسياسية، فلماذا لا تقدم على دخول قاعة الامتحان بجسارة؟رئيس الوزراء، تختلف أو تتفق معه، لديه خطاب متماسك، وحجج قوية يمكن أن يدفع بها على الطاولة، ويجبر النواب على الوقوف أمام مسؤولياتهم بعيدا عن الاعتبارات الشعبوية.وفي المجلس تيار نيابي ليس بقليل، يتحلى بالواقعية، ويعلم علم اليقين أن هذا ليس وقت تبديل الخيارات وتغيير السياسات. فما جدوى الإطاحة بالحكومة، والحال كذلك؟!النواب الطامحون لتسجيل سابقة تاريخية بإسقاط حكومة تحت القبة، على يقين بأن هذا ليس خيار مؤسسة الحكم حاليا. وأكثر من ذلك يعلمون أن المسألة مجرد مسألة وقت لا أكثر، وقد يتغير الموقف بعد أشهر قليلة.لهذه الاعتبارات، المعروفة للمعارضة النيابية، فإن مذكرة طرح الثقة بالحكومة لن تمر تحت القبة، وهناك من الوسائل المتنوعة لتحقيق هذا الغرض، وهذه أيضا معروفة للسادة النواب؛ مؤيدين ومعارضين.كل ماهو مطلوب من الطرفين أن يتحملا بعضهما لبضعة أشهر فقط، وبعدها لكل حادث حديث. من يدري فقد يصبح طرح الثقة خيارا مطلوبا، كما حصل من قبل مع حكومات سابقة. تلك هى قواعد اللعبة في الحياة السياسية والبرلمانية الأردنية. من يدّعي من النواب عدم معرفتها فليرفع يده تحت القبة اليوم؟fahed.khitan@alghad.jo