تعودنا دائماً أن مذكرات السادة النواب التي ترفع تباعاً للأمانة العامة للمجلس سرعان! ما تذوب نتيجة عوامل تكتيكية منها ما هو ظاهر للعيان كتدخل جهات معينة، تقرّب وجهات النظر قبل أن يستفحل مفعولها، وأخرى تذوب بفعل المماطلة، والتأخير حتى تفقد مضمونها، ويستطيع الشخص المستجوب، أن يبطل الهزة الارتدادية لها نتيجة اتخاذ قرار شعبي يزيد من أسهمه المعنوية حتى لو أنها خارج قناعاته، وبرامجه التخطيطية، لكيّ يتجاوز المحنة بسلام، كما فعل دولة الرئيس مؤخراً عندما تراجع عن تحرير أسعار الخبز، لذلك أفسد على معارضيه اقتناص الفرصة المناسبة للإطاحة به في مجلس الشعب.
ما مصير إذن مذكرة الحجب؟ التي قاد توقيعها أحد النواب المعارضين، والمحسوب على جيل الشباب المتعطش للإطاحة بحكومة الدكتور النسور، وهو نفسه الذي هاجمها في وسائل الإعلام، والمحطات التلفزيونية، بدافع أنها حكومة جباية، وإفقار للشعب، وأن بعض الطبقات الاجتماعية باتت على شفا الانهيار المعيشيّ، لذلك تمسّك بمذكرة الحجب كفرصة لا يمكن أن تتكرر نتيجة ما يتمتع به دولة الرئيس من حنكة قلّ نظيرها، وبخاصة إذا غيّر في طريقة اللعبة السياسية، والبرلمانية، واستطاع استقطاب نواب شكّلوا له عائقاً في تنفيذ بعض برامجه، أو تمرير بعض القوانين، والتشريعات التي لا يرتضى بها عامة الشعب.
ليس من مصلحة رئاسة مجلس النواب كما اعتقد فتح شهية السادة النواب للتسابق على جمع المزيد من التوقيعات للزجّ فيها في عمق المجلس، وبخاصة إذا كانت مذكرات تحمل صبغة الحجب، والاستجواب بحق الحكومة ورفاقها، لأنها سوف تتسبب لهم بالمزيد من الفوضى داخل المجلس، وربما التصدع بين الكتل البرلمانية، ويعرّض بعض النواب للإحراج وبخاصة من يرتبطون بعلاقات طيبة مع رئيس الحكومة، ممّا يفقدهم العديد من الامتيازات لمناطقهم، وقواعدهم الانتخابية، وبخاصة إذا نجح الرئيس في الخروج منتصراً من التصويت على حجب الثقة عن حكومته، ويخسرون أيضاً شعبيتهم من أنصارهم الذين أوصلوهم لقبة البرلمان.
لا تحتاج مذكرات الحجب لحماية شعبية، وربما مظاهرات سلمية لإعادتها للواجهة، كما تبنّى ذلك أحد السعادة النواب عندما وجد أن المذكرة ربما تعرضت للتجميد، لأن النائب هو الذي يملك الأسلحة التشريعية، والحصانة البرلمانية، بدون أي معيق له، ويستطيع فضح أي أمر يتم وراء الغرف المغلقة، لأنه الأقرب لدهاليز العمل البرلماني، وخفاياه، وما الشعب إلا حكم يشهر بطاقته الحمراء في أي وقت يشاهد نائبة تقاعس عن دوره الوطني، واتجه نحو أبواب التنفيعات، والعطايا، والهدايا، والتي تقدم من باب الودّ والمحبة كما يدّعون.
و في النهاية عجب لنواب لا يستطيعون البحث عن مذكرة الحجب، وإعادتها لمنصة التصويت، وقد تكون فعلاً كما تدّعي رئاسة المجلس أن بعض النواب انسحب فعلاً، ولم يبق فيها إلا عبارات التهليل، والترحيب. إذن فمن حق النائب البحث عن مذكرته، لكن بدون زجّ الشعب في مضمونها، أو تأخيرها، لأنه هو من يصدر الحكم النهائيّ على ممثليّ الشعب.