يتميز الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي بشجاعة قل نظيرها، في رفضه للصهيونية وفي عدائه العلني للاحتلال، وتأييده الواضح للشعب الفلسطيني وتعاطفه مع معاناته بدءاً من النكبة وليس انتهاء باحتلال 67، بل بكل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قهر وعنصرية واحتلال عسكري، ولا تضاهيه ولا تتفوق عليه أو على الأقل توازيه في الموقف، إلا زميلته في صحيفة "هآرتس" عميرة هيس، فهما فريقا عمل، ينتميان لعالم آخر، يصطدمان يومياً بالسياسة التوسعية الإسرائيلية، ويعيشان حالة أمل نحو المستقبل، رغم العداء لهما من أوساط اليمين الإسرائيلي، ومن أوساط إسرائيلية وسطية تنظر لهما على أنهما "خون لإسرائيل وللأهداف التي قامت من أجلها" بينما هما يعتبران أن إسرائيل قامت على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني الذي تعرض للاقتلاع والتشريد، في النكبة العام 1948، ولذلك فهما يُطالبان المجتمع الإسرائيلي بالاعتراف بالنكبة، والاعتراف بتداعياتها ونتائجها التي دمرت شعباً، كان يعيش على أرضه بسلام، وهما يُشبهان النكبة مثل المحرقة التي تعرض لها اليهود في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين.
وما نراه أن الاحتلال يواصل جرائمه بحق الشعب العربي الفلسطيني، بأعمال قتل وتخريب وتجويع لجعل الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها والذي لا وطن له سواه، وبسياسة منهجية منظمة تؤديها مؤسسات إسرائيلية، كل بدورها ووظيفتها، وحكومات إسرائيل المتعاقبة، وجيش الاحتلال، وقوانين الكنيست العنصرية، والمستوطنون، ومنظومة متكاملة مكملة لبعضها البعض تستهدف الأرض الفلسطينية وتغيير معالمها عبر تهويدها وأسرلتها، ونحو الشعب الفلسطيني عبر طرده أو إفقاره، وجعله أسيراً لسياسات الاحتلال ومنهجه واستمراريته.
في الغور قبل شهر، قتل فلسطيني ضابطا إسرائيليا متقاعدا، بنى مزرعة حديثة وهي عبارة عن تجمع سياحي عصري متقدم يحتوي على برك سباحة ومطعم ومركز ترفيه للعائلات، بناها على أرض فلسطينيين في الغور، وعرض جدعون ليفي صورة للمشهد المأساوي، الذي نتج عن قتل هذا الضابط صاحب المزرعة من قبل فلسطيني بواسطة قضبان حديدية وفؤوس، ما يعكس حالة "الغُل" لدى الفلسطينيين، واستعمالهم لأسلحة غير نارية لأنهم لا يملكون البديل، ولكنه طرح السؤال لماذا أقدم هؤلاء الفلسطينيون على مثل هذا الفعل؟؟.
ويعرض جدعون ليفي قراءة للمشهد القائم وهو عبارة عن الجواب لسؤاله فيقول: "توجد حول مزرعة الاستجمام التي بناها الضابط المتقاعد شريه عوفر، في الغور، نظام الفصل العنصري في أراضي الاحتلال، يوجد الظلم والاضطهاد في أشد صورهما قسوة وصرامة، فالذين يعيشون حول المزرعة، مجموعات من الرعاة الفلسطينيين الممنوعين من العمل، يواجهون وسائل خنق وتدمير لمساكنهم، ومنع الرعي لقطعان ماشيتهم، وتحولوا إلى بشر يعيشون في بؤس وبلا أدنى قدر من ظروف العيش، فلا يوجد ماء ولا كهرباء ولا شارع مسموح لهم باستعماله، مقابل ذلك نرى مستوطنات خضراء وكروم المستوطنين، أنها قصة أخضر – أصفر، الأخضر المزهر للمستوطنين الإسرائيليين والأصفر الجاف للفلسطينيين، وهي تعبير واضح وتجسيد حي لما كان في جنوب إفريقيا، على قاعدة الفصل العنصري والتمييز في الموارد والسكن والحياة والمتعة مقابل الإفقار والاضطهاد والسلب، إن ما يجري في الغور ومناطق الاحتلال هو مشهد الأبيض والأسود، كما كان في جنوب إفريقيا العنصرية".
ويصل جدعون ليفي إلى استخلاصه في صحيفة "هآرتس" يوم 13/10/2013 بقوله: "إن من يعتقد من المستوطنين من أصحاب المزارع المرفهة الذين ينتجون العنب والتمور، أنهم يستطيعون أن يعيشوا في أرض الفصل العنصري، أو أن نومهم سيكون مطمئناً هادئاً في الوقت الذي يحدث فيه كل أثام الفقر والاضطهاد من حولهم، فهم في وهم خطير، فهذا الوهم تفجر حينما داهم فلسطينيون المزرعة وقتلوا بقسوة صاحبها، وعلى هؤلاء أن يتذكروا أن أصحاب المزارع البيض في جنوب إفريقيا كانوا يعتقدون مثلهم مثل الإسرائيليين الآن أن ذلك سيستمر إلى الأبد" ولذلك نقول لهم عسى أن يسمعوا ويفهموا ويتعظوا كما قال جدعون ليفي، "إنه الوهم بعينه".
h.faraneh@yahoo.com