يزداد اليقين لدى أطراف المواجهة في سورية، بأن الصراع الدائر هناك لن تحسمه القوة العسكرية. تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" قبل يومين، نقل عن معارضين ومؤيدين لنظام الأسد ما يؤكد هذه الحقيقة.
الشواهد على عجز الأطراف المتصارعة عن الفوز بالمعركة كثيرة؛ فالنظام يتلقى دعما عسكريا من قوى كبرى في العالم، ومع ذلك ما يزال عاجزا عن حسم أي مواجهة خارج مراكز المدن الرئيسة. أما المعارضة، فتتقدم يوما هنا، وتتراجع هناك، والأهم من ذلك أنها، وبعد ثلاث سنوات من الثورة على نظام الأسد، تزداد انقساما وتفسخا، وتخوض حروبا داخلية أشرس من تلك التي تخوضها ضد جيش الأسد.
بيد أن أطرافا إقليمية وعربية لا تريد أن تصدق هذه الحقيقة، وتتمسك بنفس السياسة القائمة على ضخ المزيد من السلاح والمقاتلين لسورية، لحسم المعركة وإسقاط نظام الأسد.
في السنة الأخيرة تحديدا، خلّفت سياسة الحدود المفتوحة للمقاتلين من شتى بقاع العالم، آثارا مدمرة على سورية وثورتها والمنطقة برمتها؛ فقد تحولت الأراضي السورية إلى أهم مركز لتنظيم القاعدة في العالم.
إن مشكلة الثورة السورية لا تكمن في الاتجاهات الفكرية والسياسية للمقاتلين السوريين؛ فذلك أمر يمكن معالجته وطنيا، وفي إطار وطني مستقبلا. إنما المشكلة في تدفق المقاتلين الأجانب، وبما يحملون من أجندة تتجاوز أهداف السوريين ومصالحهم، وتهدد بإشعال حروب طائفية في المنطقة، وعمليات إرهابية تضرب دول الجوار.
تركيا التي سهلت للمقاتلين والمتطوعين التسلل من أراضيها إلى سورية، بدأت تشعر بالخطر، بعدما تحولت مناطقها الحدودية إلى ما يشبه قواعد خلفية لمجموعات المتطرفين، ومراكز إمداد ودعم لوجستي، على غرار ما حصل لباكستان.
محاولات استخدام الحدود الأردنية لنفس الغرض كانت محدودة ومتقطعة خلال السنتين الأخيرتين، وأكثر من ذلك مدارة من قبل أجهزة رسمية. خارج هذه الترتيبات، تمكن المئات من الشبان الأردنيين من التسلل إلى سورية، سواء عن طريق الحدود الأردنية أو الحدود التركية.
الصحف الغربية تتداول منذ أيام أنباء عن مشروع خليجي ضخم لتدريب آلاف المقاتلين في باكستان وإرسالهم إلى سورية عن طريق الأردن. التورط في عمل كهذا سيكون مغامرة كبرى من جانب الأردن، وتترتب عليها عواقب وخيمة.
لقد ثبت، وكما قلنا من قبل، أن الحسم العسكري غير ممكن في سورية، مهما بلغت أعداد المقاتلين على الطرفين. كل ما في الأمر أن حشد المزيد من القوة يعني سقوط المزيد من الضحايا.
وتوفير الممرات الآمنة لهذا العدد من المقاتلين، يعني من الناحية العملية تحويل المناطق الحدودية إلى مراكز إيواء لمتشددين من مختلف الجنسيات، ومنح التنظيمات المتطرفة رخصة للتنقل عبر الأراضي الأردنية، ولفترة مفتوحة.
ندرك الضغوط التي كان وما يزال يتعرض لها الأردن للدخول، وبشكل علني وكامل، على خط الصراع في سورية. لكن مهما كان هامش المناورة ضيقا، فهو لا يتسع أبدا لدور بهذه الخطورة؛ لا لجهة الأضرار المترتبة على السوريين فقط، بل وعلى المصالح الوطنية العليا للأردن، وميزة الاستقرار النسبي التي يتمتع بها.
الأردن يعلن كل يوم أنه مع الحل السياسي للأزمة السورية، ويلعب دورا دبلوماسيا نشطا لمساعدة المعارضة السورية على التكيف مع شروط الحل والمشاركة في مؤتمر "جنيف2"، وأي سلوك خارج هذا الإطار سيجعله بلا مصداقية