حسم أمير المؤمنين (الخليفة لاحقاً, اذا ما قُيّض لمشروع القاعدة أن ينجح) الشيخ ايمن الظواهري... الامر, وأمر بإلغاء الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) التي يتزعمها مَنْ خلع على نفسه هو الآخر, لقب أمير المؤمنين, الشيخ ابو بكر البغدادي الحسيني (القـُرشي أيضاً), ما وضع الاخير في «حرج», لكنه لم يَجبُن أو يتراجع, فقال في تحد واضح لخليفة اسامة بن لادن.. أن دولته «باقية, باقية, باقية.. رغم انوفكم».
مَنْ يتابع الجدل الدائر في وسائل إعلام قادة الجهاد التكفيري السلفي والتفسيرات التي تُطرح ازاء الرسالة «الاخيرة», التي بثها الظواهري (عبر قناة الجزيرة دائماً) وخصوصاً ان مضمونها لا يختلف كثيراً – ان لم يكن حرفياً – عن الرسالة الشهيرة التي بثها (عبر القناة القطرية ذاتها) في حزيران الماضي, يلحظ أن محاولات الوساطة التي نهض بها كثيرون من «قادة» ومُفْتّي ومنظّري الجماعات السلفية التكفيرية في لبنان (عمر فستق) وابو محمد المقدسي وابو قتادة ( من سجنه على ما روّجت وسائل الاعلام) لم تُصِبْ نجاحاً يذكر, لأن أمير المؤمنين المؤسس للدولة الاسلامية في العراق والشام أبو بكر البغدادي, تمرّد على الخليفة المُنتظر الظواهري, وقال له في ما يشبه التهديد: أننا مستعدون لأن «نَهْلَكَ» دون هذه الدولة, إذا لم يُظهرها الله تعالى»..
هنا والان يثور السؤال, عما اذا كنا سنشهد فصولاً جديدة من التصفيات بين «الفصيلين القاعديين».. الفصيل الاول الذي بات مجسداً في «دولة» ذات اسم وعلم ومشروع «وحدوي» لبلاد الرافدين وبلاد الشام, بعد فشل كل المشروعات الوحدوية السابقة التي لجأت اليها احزاب علمانية «كافرة», كانت تجربة حزب البعث في البلدين الصورة الابرز في هذا الاتجاه, ليس فقط في ستينات القرن الماضي بل خصوصاً في اواخر سبعينات القرن ذاته, عند صعود نجم جبهة الصمود والتصدي التي قامت لمواجهة الصلح المنفرد, الذي عقده أنور السادات مع اسرائيل, لكن انعدام الثقة (واسباب عديدة اخرى ليس اقلها العداء الشخصي وغياب الكيمياء ونزعات التفرد), أدّى الى افشالها وسقوطها..
«دولة داعش» تواجه الان فصيلاً آخر يسمى رسمياً «جبهة النصرة لأهل الشام في سوريا», وصفه امير المؤمنين الشيخ ايمن الظواهري بأنه «فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة».. لكن موازين القوى مختلة لصالح داعش, التي باتت معنية (أو هكذا يتهمها خصومها) بتكريس «دولتها» على أرض الواقع, معتبرة أن «الجهاد» ضد نظام «الاستبداد» يأتي في المرتبة الثانية, بل لا يتردد اعداؤها وليس فقط الخصوم, في الغمز من قناتها واتهامها بعدم نجدتهم عندما يُحاصَرون أو بتسهيل دخول قوات الجيش السوري (النظامي) الى مناطق وبلدات ومدن واحياء, كانت في قبضة الجماعات المسلحة ما لبثت قوات داعش (قبل الهجوم او خلاله) ان انسحبت بغير اسباب مقنعة كما حدث في السبينة بالغوطة الشرقية بدمشق والسفيرة في ريف حلب على ما يزعمون, فاسحة المجال لقوات النظام كي تستعيد تلك المناطق وبخاصة أن باقي الجماعات المسلحة اقل تسليحاً وانضباطاً وتدريباً وجهوزية من «مجاهدي» داعش(!!)
طبعاً... يصعب تسويق بضاعة كاسدة كهذه, تسعى لاستعادة خطاب معارضة الخارج العاجزة والفاشلة التي تتجلى تبعيتها الكاملة لعواصم اقليمية هذه الايام, عندما ارتضت لنفسها ان تعيق انعقاد مؤتمر جنيف2 وتتمسك بـ»لاءات» متهافتة لا قدرة لها على فرضها ولا قوة ميدانية او شعبية لديها او تحالفات اقليمية ودولية او حتى «اصدقاء» اصحاب وزن وادوار مؤثرة, يمكن ان يساعدوها على البقاء في المشهد او تحت الاضواء الآخذة هي الاخرى بالانحسار عنها وقد يكون اجتماع امس (السبت) بداية العدّ العكسي لاطاحة ائتلاف احمد الجربا على الطريقة ذاتها التي «صُفيّ» فيه مجلس اسطنبول وتم ركل احمد معاذ الخطيب وغيره من رؤساء الحكومات المؤقتة من غسان هيتو الى احمد طعمة (مَنْ يسمع به وبالحكومة التي كُلّف تشكيلها؟).
اين من هنا؟
لن يُغيّر «فرمان» أمير المؤمنين الشيخ او الزعيم ايمن الظواهري في موازين القوى على الارض بين «دولتي» داعش والنصرة, وخصوصا ان الساحة السورية تشهد تراجعا (حتى لا نقول هزيمة) لافتاً في قدرات المتمردين وتسليحهم وهبوطا واضحا في معنوياتهم وعداء شعبيا سافراً او مستتراً لتلك التنظيمات الاجرامية التي عاثت في بلاد الشام خرابا وقتلا وتدميراً وتحريماً وافتاء وسلوكات قروسطية متدثرة بعباءة الاسلام ومختطفة جوهره النقي الذي يمجّد حياة الانسان وحريته ويدعو الى اقامة العدل ومكارم الاخلاق.
داعش... لن تتفكك وجبهة النصرة لن تقيم دولتها الخاصة, كما اراد زعيم «القاعدة» كذلك لن ينجح كمال اللبواني (الليبرالي) في تنفيذ تهديده باستقدام «آلاف المجاهدين» لإسقاط النظام, تماما كما فعل زهران علوش قائد جيش الاسلام (...) يوم أمس, عندما افتتح «موقعاً الكترونياً» لتجنيد «المجاهدين» الاجانب الراغبين في القتال الى جانب «ثوار» سوريا..
لماذا؟ .. ببساطة لأن مشروعهم قد سقط او في طريقه الى السقوط أمّا هزيمته.. فمسألة وقت.