لم تنتصر المعارضة السورية المسلحة، رغم قوة تحالفاتها الإقليمية والدولية، ولهذا لا تستطيع فرض شروطها، ولكنها في نفس الوقت لم تهزم حتى تستسلم مذعورة، والنظام من جهته ليس أسعد حالاً من المعارضة المسلحة، فهو لم ينتصر أيضاً، حتى يأخذ ما يريد، ولم يهزم حتى يُضحي بما يملك، فقد صمد بفعل العامل الإقليمي والدولي، الذي حماه ووفر له أسباب الصمود، ووفر لقوته الذاتية الداخلية إمكانات البقاء والاستمرارية، بعد أن بقيت مؤسسات الدولة الوطنية متماسكة، العسكرية منها (الجيش والأجهزة الأمنية) والمدنية (الحكومية والحزبية)، وما تعرضت له من انشقاقات بين صفوفها، كانت ظواهر فردية، غير جماعية، رغم أهمية بعض رموزها الذين هربوا، ولكنهم لم يكونوا مؤثرين، ليقصموا ظهر النظام وتدفعه للرضوخ أو الانحناء، وقد تكون عملية قتل الخلية الأمنية التي تمت في اجتماع الجهاز وقتلت كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين هي الوحيدة المؤذية حقاً، وهروب رئيس الوزراء هي الضربة المعنوية البارزة، وأخيراً قتل اللواء جامع جامع وما عدا ذلك لا قيمة مادية أو سياسية، يمكن الرهان عليها لتحقيق البديل أو التغيير، لنظام ما زال متماسكاً وقوياً وبيده أوراق للمساومة أو للصمود.
ومنذ آذار 2011، وحتى يومنا هذا، مرت على سورية أحداث عاصفة، وعمليات تفجيرية، واغتيالات متلاحقة، وتدمير البنى التحتية، وضربات موجعة، واجهت أجهزته وأمنه ومؤسساته، ومع ذلك بقي النظام صامداً، ضد أوسع تحالف إقليمي دولي سعى لتقويضه، رغم الضخ المالي والإعلامي والاستخباري لصالح المعارضة، بهدف إسقاط النظام، ومع ذلك بقي النظام صاحب المبادرة الأقوى، والأكثر فعالية على الأرض، وفي مواقع المواجهة.
والنظام رغم تفوقه وتماسكه، فشل في إنهاء المعارضة المسلحة وتصفيتها، وما زالت تملك زمام المبادرة المتقطعة، في بعض المواقع، والثبات في مواقع أخرى، وغدا الوضع سجالاً بين الطرفين، دفع وزير الخارجية الأميركية لأن يقول، "لم يعد الحل العسكري ممكناً في سورية"، ما يعكس فشل الطرفين في تحقيق اختراق لطرف ضد الطرف الآخر، وعليهما الجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف 2، "بهدف العمل من أجل سورية جديدة"، كما قال جون كيري.
وسورية الجديدة المقبلة، ستولد من قلب التفاهم الأميركي الروسي، هذا التفاهم الذي أزال الوهم نحو الرهان على عملية التبديل أو التغيير للنظام، ووضعوا قاعدة للبناء عليها لتحكم مسار جنيف المقبل، بعد أن ضحى النظام بورقة الأسلحة الكيماوية التي كانت بحوزته، في خطوة شبيهة للخطوة التي أقدم عليها القذافي، ومماثلة لها، حينما أقدم على التضحية بالأسلحة الكيماوية التي كانت بحوزته، فسهلت للقذافي الانتقال من موقع النظام المنبوذ، في حينه، إلى مواقع الاستقبال له في أوروبا والترحيب به هناك، وفي واشنطن، والتعامل معه كزعيم دولة بلا منازع، قبل سنوات طويلة من انفجار ثورة الربيع العربي، وسقوط نظامه الفردي مع مبارك وزين العابدين وعلي عبد الله صالح.
ثناء جون كيري، على مبادرة الرئيس الأسد، والتأكيد على مصداقية خطواته، في كشف أسلحته الكيماوية، والاستعداد الفعلي للتخلص منها، قد تكون الإشارة الأولى نحو رد الاعتبار له، حتى يعود مرة أخرى، رئيساً عبر صناديق انتخابات العام المقبل 2014، رغم تصريح كيري "أن بشار الأسد لم يعد عنصراً جامعاً يمكنه تقريب الأطراف" حول إدارته أو قيادته، وإلى حينه سيبقى الرئيس الأسد معلقاً بين تجربتين: الأولى تجربة القذافي التي أسقطت كل الذرائع التي كانت تلحُ على تغييره وتبديل نظامه، والثانية تطبيق السيناريو اليمني، واستحضار تجربة الرئيس علي عبد الله صالح، بعد أن ذهب بعيداً وبقي نظامه قائماً في صنعاء.
لا أحد يستطيع الرهان، على أي من الخيارين، سينتصر، أو التكهن بأي منهما:
1- بقاء الأسد كما سبق وتم مع القذافي قبل الربيع العربي.
2- أو رحيله معززاً مكرماً كما حصل مع علي عبد الله صالح، بعد الربيع العربي.
h.faraneh@yahoo.com