الأوضاع في المنطقة العربية استثنائية، ويجب أن يتم أخذها على محمل الجدية، وعدم التقليل من نسبة المخاطر، والمحيط العربي أصبح كله مضطرب، ومفتوحا على خيارات صعبة، وبغض النظر عن مدى المناعة التي تتمتع بها الدولة الأردنية، واختلافها عن أوضاع الجمهورية العربية، فهذه الفترة تمثل دعوة مفتوحة للتغير الجوهري، وتتطلب التعامل معها بشكل استثنائي، ومواجهة هذه التحديات بفهم عميق لطبيعة المرحلة، ومن المهم إعادة صيانة قيادات الواقع الاجتماعي والسياسي، ومفاتيح الحياة العامة، والعمل على تشكيل نخبة سياسية جديدة ، وليست تقليدية تستمد من الفرز الشعبي المباشر، وكل الشخصيات معروفة في مناطقها، والنزيه بين، والفاسد بين، ومن تشوبه شائبة لا يخفى، والسياسي المتواضع صاحب الميول الشعبية أيضا معروف، ومعروفون من تقلدوا المناصب في السابق وشكلوا حاجزا صلبا بين الدولة والمواطنين ، ومن أغلقوا الأبواب، والمكروهون شعبيا يكفي مجرد استفتاء الناس عليهم، ومن اشتروا الذمم في الانتخابات النيابية، وحولوا أصوات الناخبين إلى مزاد، وأدوا إلى تأزيم الواقع السياسي هؤلاء أيضا لا يخفون، ومن المهم التركيز على الشخصيات الاعتبارية التي تميل إلى الاستماع إلى المواطنين، ولا تعمد إلى غلق الأبواب والمكاتب في وجوههم. فالأردني يجد معاناة حقيقية في التعامل مع المؤسسات بسبب الإدارات غير المهتمة ، والتي لا تعير الناس اهتماما، وليس من مواصفات الوزير اللازمة أن يكون مكروها شعبيا، أو خاملا ، وليس له من رصيد شعبي، فشخصيات العمل العام تعيد ربط الشعب بالمؤسسات، وتشكل قنوات بين الشارع، والسلطة.
وكل الذين شاركوا في زيادة الاحتقان الشعبي يجب إبعادهم عن مواقع النفوذ، وتوخي عدم تقديمهم في هذه المرحلة الاستثنائية، ويجب إظهار وجوه جديدة معروفة بنزاهتها، وعدم التعامل مع المرحلة بتقليدية، ومن الضرورة بمكان إدراج قيادات الواقع الصاعدة في العملية السياسية كي يشعر الناس أنهم مشاركون، وليسوا بعيدين عن تحمل المسؤولية، وكي يساهم الجميع في حماية المؤسسات، وترسيخ قاعدة الاستقرار.
ولا بد من إعادة التمثيل الشعبي إلى دوره الحقيقي في ضبط الواقع الاجتماعي من خلال إنتاج برلمان معبر عن طموحات الأردنيين، وإرادتهم الحرة، وإنهاء مرحلة التمثيل من خلال شراء الأصوات، أو الفبركة في تكون الحالة النيابية، فلا يعقل أن يقيل الملك بالتوافق مع نبض الشارع حكومة حصلت على ثقة نيابية بنسبة 93% في اقل من شهرين من تحقيقها مثل هذه الثقة في مجلس النواب، وهذا يكشف مدى انفصال هؤلاء النواب عن الشارع الذي يفترض أنهم يمثلونه.
الحياة السياسية برمتها في الأردن بحاجة إلى التجديد، واختيار النخب المقبولة شعبيا للسلطة التنفيذية، وترك الشارع يفرز نخبه الممثلة إلى مجلس النواب، وهذه هي المعادلة التي تتجاوب مع متطلبات المستقبل.
نحن أمام تحديات جدية انعكست عن الواقع الإقليمي المضطرب، ومن الممكن إعادة احتواء الشارع، وقواه الحية، ودمجها ضمن العملية السياسية الممارسة، وعدم الاعتماد على الصيغة التقليدية في التوزير، والتمثيل النيابي، وحتى المدراء يجب أن تتوفر فيهم صفات حب الانفتاح، والتجاوب مع مطالب وقضايا المواطنين العادلة.
والحوار يجب أن يمتد إلى المحافظات ليشمل قيادات المدن والقرى المعتبرة، وليس قصره على عمان، فالحياة السياسية ليست محصورة في عمان، والقوى التقليدية أيضا لا تملك زمام المجتمع الذي قفز إلى واجهة الأحداث، وتجاوز كثيرا من الطروحات التقليدية.
نستطيع اليوم أن نؤسس لمرحلة حقيقية ضامنة لتحصين الأردن من أية تأثيرات إقليمية ضارة، ومن المهم أيضا استيعاب دور الإعلام ومعاملته كشريك، فالاعلام جزء من عملية الحكم، ولا يستطيع احد أن يحكم بدونه، ومن الأولى ربط الناس بقياداتها الشرعية، وعدم تضعيف الشخصيات السياسية المحترمة، والتي تؤدي دورا كبيرا في ضبط إيقاع الشارع في الأزمات.
التجديد يضمن الإجابة على سؤال المستقبل، وهو حالة لها مواصفات بينة، والفرصة قائمة، ويجب أن لا نتركها تفوت من بين أيدينا.