لم ﻳﻜﻦ وﺻﻒ اﻟﻤﺠﺰرة ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ، ھﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺠﺰرة ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺎرﻛﺎ ﻓﺠﺮ أول ﻣﻦ أﻣﺲ؛
ﺷﺒﺎن ﻣﻀﺮﺟﻮن ﺑﺎﻟﺪﻣﺎء، وأﻃﺮاف ﻣﻘﻄﻌﺔ، ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﺳﺘُﺨﺪﻣﺖ ﻓﯿها اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ واﻟﺒﯿﻀﺎء وأﺳﻄﻮاﻧﺎت اﻟﻐﺎز.
اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮھﺎ ﻣﻮﻗﻊ "ﺧﺒﺮﻧﻲ" ﻟﻠﻤﺠﺰرة ﻣﺮوّﻋﺔ، ﺗﺸﺒﻪ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﯿﺮ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺜها اﻟﻤﺤﻄﺎت اﻟﻔﻀﺎﺋﯿﺔ
ووﻛﺎﻻت اﻷﻧﺒﺎء ﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﺳﻮرﻳﺔ واﻟﻌﺮاق، وﻏﯿﺮھﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﺮاع.
أن ﻳﺤﺪث ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻋﻤﺎن "اﻟﻮادﻋﺔ واﻟهادﺋﺔ" ﻟهو ﺷﻲء ﻣﺨﯿﻒ ﺣﻘﺎ، وﻳﻄﺮح ﺳﺆاﻻ ﻣﻔﺰﻋﺎ: ھﻞ ﺑﯿﻨﻨﺎ أﻧﺎس
ﺑهذه اﻟﻮﺣﺸﯿﺔ؛ ﻳﻘﺘﻠﻮن ﺑﻼ رﺣﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻘﺘﻞ؟!
ﻋﻨﺪ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺪاﻣﯿﺔ، ﻳﺨﯿﻞ ﻟﻨﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﺸﺎھﺪ ﻓﯿﻠﻤﺎ ﻣﻦ أﻓﻼم "اﻵﻛﺸﻦ"، أو ﻓﺼﻼ ﻣﻦ ﻓﺼﻮل اﻟﺒﻠﻄﺠﺔ
اﻟﺘﻲ اشتهرت ﺑها ﻣﺼﺮ ووﺛﻘﺘها اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ؛ ﺷﺒﺎن ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻮاﺑﻖ ﻳﻘﺮرون ﺗﺼﻔﯿﺔ
ﺣﺴﺎﺑﮫﻢ ﻣﻊ ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ ﺣﻲ ھﻤﻼن ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎرﻛﺎ، ﻓﯿﻌﺪون اﻟﻌﺪة ﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﻮﻋﻮدة. اﻟﺘﺤﻀﯿﺮات
اﻟﻤﻜﺸﻮﻓﺔ ﻟﻠﻤﻮاﺟﮫﺔ ﻟﻢ ﺗﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮ اﻷﺟهزة اﻟﺘﻲ "ﺗﺴهر" ﻋﻠﻰ أﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﻦ. ﺑﻌﺪ ﻧﺸﻮب اﻟﻤﻮاﺟهة، ﺗﺼﻞ
ﻓﺮﻗﺔ اﻟﺪرك، ﻟﻜﻨها ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﺣﺘﻮاء اﻟﻤﻮﻗﻒ، ﻓﺘﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮات. ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺘهى؛ ﻗﺘﻠﻰ
وﺟﺮﺣﻰ ﺑﺈﺻﺎﺑﺎت ﺣﺮﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ، ودﻣﺎء ﺗﻤﻸ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺤﻲ.
ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻌﻨﯿﯿﻦ ﺑﺪواﻓﻊ اﻟﻤﺠﺰرة، وﻻ ﺑﺨﻼﻓﺎت أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻮاﺑﻖ؛ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﯿﻨﺎ ھﻮ وﺟﻮد أﻓﺮاد ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﺪﻳﮫﻢ
اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻘﺘﻞ ﺑﮫﺬه اﻟﺒﺸﺎﻋﺔ. ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻣﺎرﻛﺎ ﻟﯿﺴﺖ اﻷوﻟﻰ، وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻛﺜﺮ دﻣﻮﻳﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺳُﺠﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات
اﻷﺧﯿﺮة ﺣﺎﻻت ﻣﺸﺎﺑﮫﺔ ﻟﻌﺼﺎﺑﺎت اﻣﺘﮫﻨﺖ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺴﻠﺐ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺮد أن ﻧﺼﺪق أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻋﺸﻨﺎ ﻓﯿﻪ
ﻟﻌﻘﻮد ﻣﻀﺖ ﻗﺪ ﺗﻐﯿﺮ؛ ﻣﺎ ﻧﺰال ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ إﻧﻜﺎر، ﻳﻌﺰ ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﺮف ﺑﺄن ﻗﯿﻢ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺘﻮادّ ﺗﻜﺎد ﺗﺘﻼﺷﻰ، وأن ﻻ
ﺑﺪﻳﻞ ﻋﻦ ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ.
ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ، ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄن ﺑﻌﺾ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺴﻠﻢ اﻷھﻠﻲ ﻓﻲ اﻷردن ﺧﺎدﻋﺔ وھﺸﺔ، وﻳﻤﻜﻦ
أن ﺗﻨﮫﺎر أو ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫﺎ. ﺳﻠﻮك اﻷﻓﺮاد واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت، ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ، ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﺟﺪال
ﺑﺴﯿﻂ ﺑﯿﻦ ﻣﻮاﻃﻨﯿﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻄﻮر إﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺴﻼح؛ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺑﯿﻦ أﻃﻔﺎل ﺟﯿﺮان ﻳﻨﻘﻠﺐ إﻟﻰ ﻣﻮاﺟﮫﺔ ﺑﯿﻦ
اﻟﻜﺒﺎر؛ وﺧﻼﻓﺎت ﻋﺎﺋﻠﯿﺔ ﺗﻨﺘﮫﻲ ﺑﺠﺮاﺋﻢ ﻗﺘﻞ. اﻟﻘﺘﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺻﺎر ﺣﺪﺛﺎ ﺷﺒﻪ ﻳﻮﻣﻲ.
ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ، ﻟﻢ ﻧﻌﺪ ﻧﻘﺒﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ؛ ﻟﻐﺔ اﻟﺘﺨﻮﻳﻦ واﻟﺘﻜﻔﯿﺮ ھﻲ اﻟﻤﺴﯿﻄﺮة. ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺘﯿﻦ اﻷﺧﯿﺮﺗﯿﻦ، ﺳُﺠﻞ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ اﺷﺘﺒﺎك ﺑﺎﻷﻳﺪي ﺑﯿﻦ أﻧﺼﺎر اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻮري وأﻧﺼﺎر اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ. وﻓﻲ ﺿﻮء ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﺤﺎدة ﺣﻮل ﻣﺎ
ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻓﻤﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺘﺒﻌﺪ أن ﻧﺸﮫﺪ ﻣﻨﺎوﺷﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ.
ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻗﺒﻮل اﻵﺧﺮ ﺗﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻜﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ. اﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺎﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﺑﺪأوا ﻳﺘﺼﺮﻓﻮن ﻛﺘﺸﻜﯿﻞ
ﻋﺼﺎﺑﻲ؛ ﻛﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻜﻦ اﻟﻌﺪاء ﻟﻸﺧﺮى، وﺗﺨﻮض ﻣﻌﮫﺎ ﺣﺮﺑﺎ ﻛﻼﻣﯿﺔ ﻋﻨﯿﻔﺔ، ﻓﻼ ﺗُﻔﺎﺟﺆوا إذا ﻣﺎ وﺟﺪﻧﺎھﻢ ﻓﻲ ﻳﻮم
ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻳﺼﻔّﻮن ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﮫﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻮاﺑﻖ ﻓﻲ ﻣﺎرﻛﺎ.
ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻘﯿﻢ اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ، ﺗﺘﻼﺷﻰ اﻟﻔﺮوق ﺑﯿﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ وأﺻﺤﺎب اﻟﺴﻮاﺑﻖ. ھﻜﺬا ﺗﺒﺪو
اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ؛ ﻣﻦ ﻗﺎل إﻧﻨﺎ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﮫﻢ؟!
بقلم: فهد الخيطان