أخبار البلد - لعل تشكيل كتلة التغيير النيابية يلخص المشهد النيابي من الداخل. نواب كتلة "التغيير" خرجوا من رحم كتلة الشعب التي كانت من أكبر الكتل، بل ربما أكبرها على الإطلاق، لكنها كبقية الكتل النيابية، ظلت جثثا هامدة، بلا حراك أو مبادرة تظهر حضوراً نيابياً لافتاً وعملاً كتلوياً منسقاً. وظل النشاط الفردي للنواب هو الأساس والمحرك، سواء في المناقشات العامة أو المبادرات لإصدار قانون أو مذكرة أو عريضة نيابية.
كان متوقعاً أن تهدأ فورة الحماس للكتل، لأن المحرك الأساس للتجميع كان بدافع البحث عن مكاسب ومواقع في لعبة تقاسم "الغنائم" في تشكيلة المكتب الدائم واللجان، أو بأمل أن توفر الكتلة لمنتسبيها مظلة تساعدهم على دخول اللعبة البرلمانية والتعرف على قواعدها، خاصة أن ثلثي أعضاء المجلس من النواب الجدد وبلا خبرة برلمانية عملية.
غياب الخبرة البرلمانية لا يعني كل شيء. فإذا توفرت الإرادة السياسية عند النائب، فإنها تطغى على الخبرة، ويسجل النائب بالسلوك والممارسة حضوراً وتميزاً في الأداء. وقد أظهر عدد من النواب الجدد مثل هذه الإرادة وشكلوا حضوراً لافتاً.
كتلة التغيير النيابية، ضمت عدداً من هؤلاء النواب الشباب، ممن لديهم طموحات سياسية ورغبة في الحضور بقوة في المشهد النيابي. وقد أشار بيان الكتلة التأسيسي إلى تلمس أعضاء الكتلة لهذه الرغبة في الدور والحضور، ما يشير إلى عملية فرز جديدة في الوسط النيابي، تقوم على أسس جديدة تتعدى مصالح ومكاسب الأعضاء، وتطمح إلى لعب دور وطني وبرلماني أرحب.
مجلس النواب يمر بمرحلة "انعدام الوزن". فقد دهمته الأحداث وهو يتلمس طريقه ويسعى لإثبات جدارته ودوره. لكن الثقة القياسية التي منحها للحكومة، وما رافقها من حملة إعلامية شرسة بسبب هذه الثقة القياسية، أربكته ووضعت أعضاءه في موقع الدفع والتبرير. لقد أصبح مجلس النواب مثل "كيس الملاكمة" يتدرب عليه الجميع. وأصبح همّ النواب الخروج من هذه الزاوية التي حُشروا فيها وإعادة تشكيل الصورة المرغوبة أمام الرأي العام وقواعدهم الانتخابية. وقد عبر رئيس مجلس النواب عن هذا الشعور لدى النواب غير مرة، بجملته الشهيرة التي رددها في كل مناسبة: "أعطوا المجلس فرصة كافية قبل الحكم عليه".
لقد لعب الإعلام على اختلافه دوراً كبيراً في تحفيز النواب لتغيير صورتهم أمام الرأي العام. وهذا يحسب للإعلام، لأن واجبه النقد وتسليط الأضواء.
وقد لعبت الأحزاب والمجموعات السياسية غير البرلمانية، التي قاطعت الانتخابات أو التي ليس لها تمثيل في البرلمان، دوراً تحريضياً، وعملت على تهشيم صورة مجلس النواب والمطالبة بحله، لتحقيق مكاسب تخدم سلوكها وبرنامجها السياسي. وهذا السلوك أيضاً مقبول في اللعبة الديمقراطية، وعلى مجلس النواب أن يقبل التحدي.
إعطاء الثقة القياسية للحكومة لا يعني الكثير في التجربة البرلمانية الأردنية الحديثة. وليست هذه المرة الأولى التي يعطي فيها مجلس النواب ثقة قياسية للحكومة، لكن غياب المعارضة الإسلامية عن المجلس، أظهر الصورة بشكل لافت وفاقع.
التجربة البرلمانية الأردنية أثبتت عبر المجالس النيابية الخمسة الأخيرة، أن التصويت على حجب الثقة أو منحها للحكومات لا يعني الشيء الكثير. حتى في ظل وجود نواب الحركة الإسلامية الذين كانوا يسمون أنفسهم معارضة، فلم يثبت هؤلاء في الممارسة أنهم قوة سياسية معارضة بسلوك وخطة. أي معارضة هذه التي لم تتقدم ولو لمرة واحدة في تاريخ وجودها في مجلس النواب، بمحاولة لسحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها، ولم تقدم حتى استجواباً واحداً للحكومة أو أحد وزرائها أو حتى اقتراحاً بقانون أو غير ذلك من الممارسات البرلمانية التي تجسد معارضة منتجة تشتبك مع الممارسات والسياسات الحكومية؟ الخطاب النقدي معارضة، لكنه أضعف الإيمان.
وفي التجربة البرلمانية أيضاً، فإن ممارسة أغلب حاجبي الثقة لم تكن تختلف في السلوك والجوهر عن مانحيها. وكانت هناك دائماً مبادرات بنفس اعتراضي من نواب من الموالاة أكثر بكثير، وسبق أن أسقط نواب من الموالاة حكومات منحوها الثقة.
أعود لأقول، بأن العبرة في الممارسة وليس فقط في الحجب أو منح الثقة. وأنا لا أقلل من الدلالات السياسية للحجب أو المنح. واختم بالقول إن حالة "انعدام الوزن" مؤقتة، وأن مجلس النواب السادس عشر، مجلس صعب، وسوف يكون له حضور مؤثر في المعادلة الداخلية.
bassam.haddadeen@alghad.jo
بسام حدادين