فمقياس نجاح أي تجربة هو في نتائجها وديمومتها ورضى الناس عنها، ودعوة جلالته هنا ليكون عُمر الحكومات البرلمانية البرامجية بعمر مجلس النواب لمدة أربع سنوات مؤشر على ضرورة تكاملية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ليصبّا لصالح المواطن وخدمته من خلال وضع الأولويات والبرامج والخطط الكفيلة بمواجهة التحديات السياسية والإقتصادية لتحقيق الآمال المنشودة صوب تحقيق الأهداف ومؤشرات الأداء على الأرض، ولنصل لنهج الإستقرار الحكومي والنيابي الذي نصبو إليه من خلال التدرّج الديمقراطي صوب الوصول للحكومات الحزبية.
لقد وضع جلالته خارطة طريق واضحة ورسم خطوطاً عريضة جلية لكل من مجلس النواب والحكومة المقبلة للعمل الجاد والهادف والبرامجي لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، والحرص على مشاورات النواب في إختيار رئيس الوزراء والفريق الوزاري يشكّل تمهيداً وتأسيساً للحكومة البرلمانية.
ولعّل الرضى الشعبي على أداء مجلس النواب والحكومة يشكّل أحد المفاصل المهمة على طريق التغذية الراجعة لوضع مجسّات لنجاح هذه التجربة الديمقراطية، فالتواصل بين مجلس النواب المنتخب من قبل الشعب والقواعد الشعبية والحزبية والسياسية هو بمثابة إشراك لهم في صناعة القرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي لينعكس بالتالي عليهم، وهو بالطبع أساس بناء الثقة بين مجلس النواب والشعب من جهة والشعب والحكومة من جهة أخرى.
وربما مبدأ المساءلة بين النواب والحكومة من جهة والنواب والشعب من جهة أخرى هو الضامن الوحيد لتحقيق جودة تكاملية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية للحكومة البرلمانية ليكون الشعب هو اللاعب الأساسي في عملية التحوّل والممارسة الديمقراطية. لكن المهم في هذه المرحلة إيجاد الآليات الكفيلة لمأسسة مبدأ المساءلة بين النواب والشعب على غرار مأسستها بين النواب والحكومة.
ولعلّ في تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب وإيجاد مدوّنة السلوك للمجلس وأفراده نجد الضبط المطلوب لأداء وفعالية المجلس، لتتم المساءلة وضبط إيقاع سلوكيات النواب وفعالية أدائهم وتوافقها مع طروحاتهم وبرامجهم الإنتخابية لتكون الممارسة النيابية تحقق الصالح العام وتسعى إليه وتخدمه لا تخدم الأجندات الخاصة للنواب.
كما أن مأسسة عمل الكتل النيابية المبنية على توافقات وطنية برامجية لا فزعوية أو شخصنة ستؤدي إلى ممارسات نيابية راسخة صوب الرضى الشعبي والصالح العام وتجذير عملية ممارسة واقعية لتشكيل الحكومة البرلمانية كنهج أردني بامتياز.
وقانون الإنتخاب الذي أجريت عليه الإنتخابات ليس مثالياً البتة، ودعوات جلالته لمراجعته ومراجعة النظام الانتخابي ليحظى بالتوافق ويعزز عدالة التمثيل تؤشر إلى إحدى أركان العمل النيابي القادم في دورته الحالية، وربما سيعطي ذلك الفرصة لكافة القوى السياسية للمشاركة في العملية الديمقراطية.
ما زلنا أيضاً بحاجة لتعزيز دور مجلس النواب في مسائل الرقابة والتشريع والمساءلة، وتفرّغه لهذه المهام الرئيسة لغايات الفصل بين ممارسات البعض للقضايا العامة والخاصة على الأرض أو لتحقيق مكاسب فردية وخاصة على حساب الصالح العام، لنصل لمفهوم نواب الوطن لا نواب الخدمات، ونعزّز منظومة النزاهة الوطنية ونحقق العدالة الإجتماعية بين أفراد الشعب دون تدخّلات أو عبث للنواب في قضايا تقلب حقوق الناس رأساً على عقب.
المواطنون يتطلّعون إلى مجلس النواب والحكومة لتعديل بعض التشريعات المهمة والتي تمس حياتهم اليومية وتُحسّن في وضعهم الإقتصادي ومدخولاتهم المالية، وهذا أيضاً هو أحد المؤشرات المهمة على نجاح تجربتنا الديمقراطية لأنه يحقق الصالح العام للشعب والتكاملية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ونجاح تجربة تشكيل الحكومة البرلمانية.
الكرة في مرمى النواب الأفاضل كحلقة وصل رئيسة بين الحكومة والشعب ليلتقطوا الإشارات الملكية في خطاب العرش ويوجدوا الآليات اللازمة لتطبيقها على الأرض وبواقعية لتكون الأمة مصدر السلطات، فهل سينجح مجلس النواب الجديد في إلتقاط هذه الرسائل الملكية ليساهموا في تعزيز الثقة بين أركان الحكومة والشعب؟ وكلنا أمل في ذلك، لكن ذلك لن يتم إلّا إذا تحققت وتعزّزت الثقة بين النواب والشعب أولاً، والتي ندعو الله مخلصين أن تتحقق على يدي البرلمان السابع عشر لتتحقق الثورة البيضاء التي دعى إليها جلالة الملك المعزّز.