لا أملُّ ولا أكلُّ من البحث عما يفند قول من يرون أن الربيع مجرد مؤامرة غربية اسرائيلية لتفتيت الوطن العربي وإحراقه!
صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية نشرت أخيرا بحثا يشير إلى أن التحولات التي يشهدها العالم العربي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر الإستراتيجية؛ ما يستدعي التهديد الأوسع على «إسرائيل».
المرحلة الأولى من الربيع العربي بدأت بتلك الشرارة التي أطلقتها تونس في العام 2011م ومن ثم انطلقت بعد ذلك الشرارات الواحدة تلو الأخرى في كافة الدول العربية لا سيما المحيطة في «إسرائيل»، والتي كانت نتائجها سقوط أنظمة دعمت «إسرائيل» أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
أما المرحلة الثانية فهي تلك التي رأيناها في عام 2012 والتطور الجديد في إنشاء المرحلة الانتقالية في كل دولة وإجراء الانتخابات البرلمانية وحتى الرئاسية كما حصل في مصر، وفي بعض الدول بدأت عملية صياغة دستور جديد، على الرغم من إبراز بعض الخلافات بين الذين كانوا متفقين على سقوط أنظمتهم، وهذا الأمر قلل من التخوف الإسرائيلي إزاء ما يحدث من حولها، وربما كانت الداعم لتلك الخلافات. لكن التخوف الإسرائيلي الحقيقي هو ما سيحدث خلال العام الجديد، وما يحمل من علاقات دول الربيع العربي مع «إسرائيل»، أم أن الأمر سيبقى كما هو وتنشغل كل دولة عما يحدث بها من أمور داخلية؟.
وفي التقرير الذي تحدثنا عنه آنفاً يبرز أن الربيع العربي شمل ثلاثة أنواع من الثورات في مختلف الدول، الأول منها الثورات الهادئة وكالتي حصلت في كل من تونس ومصر وأدت إلى سقوط بن علي وحسني مبارك، أما النوع الثاني فهو الثورات المسلحة أو العنيفة كالتي وقعت في ليبيا، والحرب الأهلية المستمرة في سوريا، والنوع الثالث هو الثورات الإصلاحية تلك التي أجبرت بعض الأنظمة على اتخاذ إصلاحات بعيدة المدى وإرساء الديمقراطية ومكافحة الفساد.
ويمكن لنا القول: إن من أبرز الرابحين وبشكل أساسي من تلك الثورات؛ التيارات الإسلامية لا سيما جماعة الإخوان المسلمين التي حققت فوزاً كبيراً في معظم بلدان الربيع العربي خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية، علما بأن الحركات السلفية الإسلامية «الأكثر تطرفاً» حسب تعبير الصحيفة العبرية اعتبرت في فترة معينة تهديداً على سيطرة جماعة الإخوان، إلا أن الاحتجاجات العلمانية التي ظهرت في منتصف العام الماضي حالت دون وقوع ذلك. أما عن الخاسرين في تلك المعركة - إن صح التعبير- فهم أصحاب الفكر المتأرجح بين الأنظمة السابقة والثوار الذين سعوا لإسقاطهم فمثلاً القوميون والعلمانيون والناصريون والبعثيون كانوا وما زال بعضهم ممن يسمونهم فلولَ أو شبيحة النظام السابق لا يمكن للشعب أن يختارهم.
وحول الخطر المحدق بدولة «إسرائيل» التي من الممكن أن تتأثر به مستقبلاً فإنها في هذه الفترة محاطة بالعديد من الدوائر التي يمكن أن نصنفها كالآتي وكل هذا حسب تقويمات الصحيفة العبرية:
الدائرة الأولى والمتمثلة في مصر وسوريا والأردن ولبنان، وهي الآن ما بين مستقرة على الصعيد الأمني والسياسي كمصر والأردن وما بين متدهورة أمنياً وعسكرياً وحتى سياسياً كسوريا ولبنان، وما بين هذه وتلك يبقى الأمر في هذه الدائرة غير مستقر خاصة على «الحدود» الشمالية مع «إسرائيل» والتي يقترب منها الخطر يوماً بعد يوم. أما الدائرة الثانية والتي تضم رائدة الثورات العربية تونس ومن ثم ليبيا واليمن، فهي بنظر الإسرائيليين أقل خطراً من سابقتها، في حين تشير التقديرات الأمنية إلى أن تونس من الدول الأكثر تأثيراً على منطقة الشرق الأوسط فكيف بها بعد الربيع العربي، لكن انشغالها الداخلي ربما يؤخر التفرغ لوضع علاقاتها مع «إسرائيل» إلى بعض الوقت.
أما في ليبيا- والتي تعتبر أغنى الدول النفطية- فهي غارقة بمصالحها العامة والخلافات الداخلية لا سيما الأزمة الاقتصادية والاقتتال الداخلي الذي ما زال مستمرا، فالحكومة الانتقالية لم تنجح في جمع السلاح الذي تراكم في الآونة الأخيرة بأيدي المتمردين، كما أن وضعها لا يسمح الآن بالتطلع إلى العلاقات مع «إسرائيل».وفي اليمن التي تعيش هي الأخرى وضعاً أمنياً صعباً يشبه الوضع في ليبيا، فإن غياب سيطرة النظام على تلك العصابات والقبائل المسلحة، فضلاً عن تدحرج خطر التدهور إلى الفوضى ومن ثم إلى الحرب الأهلية التي يحذر منها الجميع، كما أن جماعات أخرى لا بأس بها تنادي بانقسام اليمن إلى شمال وجنوب كالذي حدث في السودان، فإن هذا الوضع أيضاً لا يسمح بوضع برنامج جديد في كيفية العلاقات المستقبلية مع «إسرائيل».
نظرة تركيا وإيران للربيع العربي!!
هكذا تنظر «إسرائيل» إلى الربيع العربي، وهكذا تقومه مراكز ابحاثها، فكيف تكون هي والغرب من صانعيه؟
hilmias@gmail.com