الدرس الذي يُستخلص من ثورات الربيع العربي ومن مقاربات الاصلاح السياسي التي لم تكتمل بعد في الوطن العربي انه لم يعد بالامكان اختطاف أي نظام عربي باتجاه سياسي واحد.
ما يفعله الاخوان في اكثر من بلد عربي هو ما فعله الانقلابيون العسكر, منذ مطلع الخمسينات وما فعلته الاحزاب القومية وتحديداً حزب البعث في كل من العراق وسوريا وانتهى بكارثة دمرت النظام والبلاد والحقت بالشعب افدح المصائب.
التحدي الحقيقي في الجانب السياسي كيف يمكن بناء نظام ديمقراطي يسمح لجميع القوى ان تعمل في اطاره رغم الادوار وتنوعها وان تؤمن بأن النظام السياسي للجميع وليس لحزب أو طيف سياسي وحيد, وكيف يمكن بناء قواسم مشتركة بالممارسة السياسية وتفاهمات حول الثوابت الوطنية وتحييد الاختلافات واحالتها الى الحوار وليس الى الصراع الذي يدمر الاوطان وما فيها, أي كيف نتعلم الديمقراطية ونعمم ثقافتها في السياسة والمجتمع, وان لا نتعامل مع الديمقراطية بما ورثناه من ممارسات وثقافة غير ديمقراطية سادت طويلاً في مجتمعاتنا وكأننا نستحضرها الان ولا تقودنا الا لمزيد من الصراع والعنف والفوضى وعدم التفاهم.
فالاستبداد والتفرد بالحكم مهما استمرا ومهما همشّت القوى الاخرى سيأتي وقت يكون فيه الحاكم الفرد كراكب الاسد يخشى الناس والمركب الصعب الذي هو فيه اكثر مما يخشاه الناس.
الاخوان المسلمون في معظم البلدان العربية، وبخاصة مصر لم يألفوا ايضاً ثقافة الديمقراطية، وهم نتاج ظروف سياسية كان الاقصاء والانتقام، والمطاردة السياسية والحكم الاحادي فيه قاعدة ثابتة، وهم نتاج هذه الحالة، فحكاية الفلول ومطاردة العديد من خصومهم ومعارضيهم السياسيين بتهم شتى، وتصنيف الفعل المعارض بالمؤامرة جزءاً من هذه الثقافة.
تجربة الحكم في عهد مبارك، والحزب الوطني، ومثلها تجارب الحكم في تونس، واليمن، وسوريا وليبيا بينها تشابه كبير فقد ثبت ان الزعيم الاوحد، والحزب القائد يؤلب على النظام السياسي من الخصوم اكثر مما يكسب من الانصار وانه يزيد المنتفعين من النظام لكنه يزيد الساخطين عليه اكثر.
لقد حشر الرئيس مرسي نفسه وحزبه في زاوية ضيقة، ولم يعتبروا مما حدث من قبل في مصر، والازمة المصرية اذا لم تجد حلاً توافقياً يقوم على تنازل الحكم في بعض الجوانب المتعلقة للجمهور سيجد نفسه مرة اخرى من مواجهة معارضة تضم الآن نصف الشارع المصري، لكنها مع الزمن والاخطاء ستتسع الى ان تطيح به.
مفتاح الحل العودة الى صيغة التوازن، التي تُشرك اكبر قدر ممكن من الاطياف السياسية ولا تهمل او تهمش احدا. ولا تسعى على الحكم بالغلبة، والحصول على الاغلبية في كل مجلس وكل لجنة وكل مؤسسة، فالحزب الذي يدعي انه هو الشعب وهو الارادة الشعبية، ويغمض عينيه عما يجري في ساحته، حزب خاسر لا محالة.
هناك بوادر لحل الازمة في مصر، باضافة عناصر الى مجلس الشورى من الاطياف السياسية الاخرى تحقق التوازن في الشورى واحالة المواد المختلف عليها في الدستور بقرار من رئيس الجمهورية الى البرلمان القادم لتعديلها وقد يكون هذا مخرجا سليما اذا لم يكن جزءا من مناورة لكسب الوقت وتخطي الازمة الحالية.
الخطوة التالية ان يزول هذا السجال العنيف بين الرئاسة والقضاء فلا يجوز لحزب الاخوان المسلمين الذي حرص على تسمية أحزابه بالعدالة والحرية في معظم الساحات ان يبدأ عهده بالهجوم على العدالة ممثلة بالقضاء والقضاة والمحكمة الدستورية وبالهجوم على الاعلام ممثلا بمدينة الاعلام ومصادرة الاعلام الرسمي ليخدم التيار الحاكم.
ولا يجوز لمن يحكم ان يرسل عناصر اشبه بالمليشيات للتصدي للمتظاهرين او مهاجمة الأحزاب الأخرى فالديمقراطية تبني دولة جميع الناس ودولة الحرية والقانون والعدالة ومن يتصدى للعدالة وحرية الرأي ويمارس العنف حتى يحقق غايته يتصرف خارج الاعراف الديمقراطية وخارج ارادة الشعب.
وعلى الاخوان واي حزب يصل الى الحكم ان يدركوا ان وصولهم للحكم ليس ابديا وانما لفترة او اثنتين يخلفهم بعدها فريق سياسي اخر قد لا يحمل نفس افكارهم وتوجهاتهم.
فالاستبداد يؤدي الى افساد الحكم والتنوع والتعدد والتوافق الديمقراطي في اطار شرعية واضحة الحدود يؤدي الى اغناء الحكم والتجربة الديمقراطية وتعدد اللاعبين على الساحة السياسية، آن لمصر ان تستدير نحو الشعب وليس نحو حزب واحد وانما نحو الديمقراطية الجامعة التي طال انتظارها.