لا اعتقد أن هناك أردنيا عاقلا أو معتدلا يريد سماع هذا الهتاف ، غير أننا أجبرنا على سماعه من هتافات المتظاهرين والمحتجين على رفع الأسعار، الذين يئسوا من ترديد شعار الشعب يريد إصلاح النظام !..
فالنظام الهاشمي عشنا معه طيلة الأعوام التسعين الماضية ، كان خلالها نظاما إنسانيا متسامحا غير دموي ، يسعى لخدمة شعبه وبناء دولته و إعمار بلاده بالرغم من ضعف موارده ، حتى بنى وحقق لمواطنيه بنية تحتية ومستوى معيشي يضاهي مستوى الدول الغنية ودول البترول وهذا يسجل له ..
غير أن الحياة لا تسير على منوال واحد ، وإنما تتقلب بين سعة وضيق ، وصحة ومرض ، ورخاء وغلاء ، وإصلاح وفساد !..وقوة ووهن !.. وشباب وهرم !..وليست الأردن استثناء من هذه المراحل ، فقد أصابها ما يصيب الدول ، فهل وصلنا إلى مرحلة الهرم دون أن نشعر أو ندري ؟!!..
يشعر الناس بالضيق والاختناق من الغلاء ورفع الأسعار وتآكل الدخول والبطالة ، كما يشكوا من حماية مؤسسات الدولة الرسمية للفاسدين والمرتشين واللصوص الذين نهبوا مؤسسات الشعب واثروا على حسابه، وأصبحوا يملكون المليارات والملايين ، و كانوا سببا في هذا الضيق والاحتقان !..
وواكب الضيق الاقتصادي حرجا واحتقانا سياسيا تمثل في مطالبة الشعب بالإصلاحات السياسية وتعديل بعض مواد الدستور ليصبح الشعب مصدر السلطات ، وتعديل بعض التشريعات سيما قانون الانتخاب ليمنح المواطن صوتا إضافيا أو أكثر، فضلا عن تعديل ما ورد في قانون الانتخاب من نواقص وتعقيدات وعقبات، وقوبل هذا الطلب بتمترس النظام بالرفض والإصرار على إجراء الانتخابات بدون تعديل و بمن حضر، و بقانون مرفوض من أكثرية الشعب الأردني !..
وقوبلت هذه الطلبات برفع الأسعار ورفع الدعم عن النفط في بداية موسم الشتاء !!.. فاندفع الشعب عفويا في كل القرى والمدن إلى الشوارع يهتف ضد هذه الإجراءات ، ويطالب بالإصلاح ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة منهم ، ويرفض رفع الأسعار التي لا يحتملها المواطن ، سيما رفع أسعار المحروقات جاء ونحن على أبواب فصل الشتاء !!
وخلال عامين والشعب يهتف نريد إصلاح النظام ، أي أن الناس مع النظام ولكن بشرط أن يصلح النظام كل ما فسد، وفي كل المواقع بحيث يشمل القريب والبعيد ، الحسيب والنسيب ، ويعدل القوانين ، وان يترك للشعب حرية اختيار ممثليه في مجلس النواب ، فقد قرف الناس من تزوير إراداتهم وإنجاح عملاء غير أكفاء قادوا البلد إلى هذا المصير من الضعف والانحلال !!..
فهل سمع النظام هتافات الشعب المطالبة بإصلاح النظام ؟!..اعتقد جازما بأنه سمع ذلك ، ولكن لماذا لم يتم الإصلاح المطلوب الذي يشفي غليل المواطن ويداوي جراحه وينفس احتقانه ؟!..لماذا لم يحاكم الفاسدين ويسترد منهم أموال الشعب المنهوبة ويسدد الديون وعجز الموازنة ويفرج عن الناس ؟!..
هل علاج الأوضاع في تغيير الحكومات ؟؟!..حتى استهلكنا منها أربع حكومات في اقل من عامين دون أن نرى بوادر لانفراج الأزمات، لا بل نرى زيادة في تأجيجها واحتقانها !..أم علاج الأوضاع في رفع الأسعار سيما أسعار المحروقات في وقت غير مناسب والتي جاءت لتقصم ظهر البعير ؟!..
لقد تغير الناس، واختلفت عقلية الأجيال ونفسيا تهم، وزادت وسائل الاتصال من تمتين الروابط بينهم وعززت تنظيمهم العفوي ، وطلُق هؤلاء الشباب الخوف والرهبة من الدولة أو السلطة ، ولم يعودوا يخشون من شيء أو على شيء مادام أكثرهم عاطلا عن العمل أو إن دخله وراتبه لا يكفي لسداد قوت عياله !..ولن يخسروا شيئا إذا قامت القيامة وخرب كل شيء!.. فهل أدرك النظام ذلك ؟!.. وهل علم النظام بحالة هؤلاء ؟ أم يأخذ بنصائح أو توصيات وردت في تقارير يكتبها بعض المتحكمين أو الفاسدين من خلف مكاتبهم الوثيرة دفاعا عن أنفسهم ومكاسبهم ويشيرون فيها : أن كل شيء تمام، ولا تهتموا أو تنتبهوا لهذه الطلبات ؟!.. مما أوصلنا إلى ما نحن فيه من أحوال!!..
لقد تغير العالم العربي من المغرب وحتى مصر واليمن وسوريا ، واتعظت المغرب بما حصل لدى جيرانها ، وسبقت طلبات المواطنين والمعارضة وتطلعاتهم بتعديلات دستوريه وقانونية بعد أن كانت متخلفة عنا، فجنبت نفسها الهزات والويلات ، ووصلت إلى وضع ارضي جماهيرها واستقرت أوضاعها ، وبقي النظام هناك مضلة للجميع ، فإذا لم نكن مبتكرين فلماذا لا نقلد الآخرين ؟ !..بالرغم أننا كنا دوما مبتكرين ونسبق الآخرين في كل تقدم وإصلاح وفكر خلاق ..
غير أن الشعب لدينا لم يجد من يداوي جراحه ويخفف احتقانه ، لا بل وجد من يزيد همومه وأعباءه و فقره ، والإصلاحات التي تمت لم تشفي غليله ، ولم تقضي على أسباب الفساد والشكوى ولم تحسن من أحواله ، لا بل حصنت وحمت الفاسدين ولم تستردا لأموال المنهوبة ولم تحرر مؤسسات الدولة من الفساد!!..
فماذا يفعل ؟ ..هل يخرج للتصفيق والتطبيل والتأييد ؟ وان كان البعض قد خرج فبإيعاز من أجهزة مسئولة ، ومع هذا كانوا جميعا مع المطالبة بالإصلاح !..
أم يخرج الشعب للهتاف والتنديد ؟!.. لقد شارف الشعب على اليأس من المطالبة بالإصلاح ، ولكن أحدا لم يسمع له بشكل جدي ولم يستجيب لطلباته الحقيقية ، ولم يعالج مشكلاته التي يئن منها ، فماذا يفعل ؟ والتظاهر السلمي لم يجدي نفعا ، والمطالبة بإصلاح النظام لم يستجاب لها، ولم تجد أذنا صاغية !..
وعلى كره منه ، انتصر رأي المتطرفين الداعين إلى تغيير الشعار وأسلوب العمل ، فتغير الشعار لدى البعض: بدلا من إصلاح النظام أصبح الشعار تغيير النظام ، وبدلا من التظاهر السلمي أصبح الاعتداء على رجال الأمن والحرائق والتخريب، وهم يعلمون أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم !!.. لعل الدولة تستجيب لهذه المطالب !!..
فلماذا لا نقرأ الأحداث قراءه أعمق ، ونحل المشكلات قبل أن تقع وتتفاقم ، ونستفيد من تجارب الآخرين الذي جنبهم الإصلاح الحقيقي والإخلاص لبلدهم الفوضى والاضطراب ؟!..لماذا لا نقرأ أحداث تونس وليبيا واليمن وسوريا ومصر ونتعض ، ونقرأ إلى جانبها إحداث مملكة المغرب والتغيير والإصلاح المبكر السلمي والطوعي فيها ونقلدها ونستفيد منها ؟ !..ام أن الفاسدين هنا أقوى واشد سطوة وخطورة من فاسدي المغرب ؟!..
أيها المسئولون : أصلحوا الأمور قبل أن تفلت من أيديكم ، فنتضرر جميعا : الوطن والشعب والنظام ، وخففوا الاحتقان قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة اللا عودة ، ولا تتركوا الشعب يصل إلى حد الكفر واليأس ، فالجوع كافر وغضب الشعوب لا يستطيع احد أن يتنبأ بنتائجه !!..
(لماذا يترك النظام للخلايا النائمة التابعة لدول حاقدة بيئة مناسبة لتعمل فيها ؟!.. تستغل حاجة الناس وفقرهم وحقدهم على القرارات التي تزيدهم فقرا وبؤسا ، فتزعزع الأمن و تثير الشغب ، تحرق المؤسسات وتخرب
أيها المسئولون : استجيبوا لإرادة الشعب المبصرة ورأيه المعتدل الموزون ، وأتموا الإصلاحات المطلوبة ، واجلوا الانتخاب ، وعدلوا القانون بما يستجيب للأفكار السائدة لدى المواطنين ، ولا تتركوا الشعب يصل إلى مرحلة اليأس ، ولا تكرهوه أن يردد شعارا بغيضا لا يرغب بترديده ولكنه آخر ما في جعبته ، ولا تتركونا نسمع شعارا كريها يردده بعض اليائسين من الإصلاح ، نريد تغيير النظام !!..
28/11/2012 المحامي حسن المومني