خلال ندوة لمركز الدراسات العربي الاوروبي في حزيران الماضي حول انتخاب مرشح الاخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي لرئاسة مصر ، كان هناك توقعات بان الصراع السياسي سيستمر بين ٣ قوى في الشارع المصري هي الاخوان والمجلس العسكري والقوى والتيارات الثورية والقومية ، وقد أضفت في إجابتي على سؤال في الندوة بان هناك قوة رابعة هي القضاء .
ما يجري في مصر في الايام الاخيرة يثبت بان القضاء لم يعد الركن الرابع في صراع القوى وانما اصبح الركن الثالث بعد ان اختفت المؤسسة العسكرية من الساحة بانقلاب مرسي عليها او بالاتفاق معها ، واليوم يحتل الاعلام المركز الرابع في هذا الصراع وسيتقرر مصيره على ضوء نتيجة المواجهة المفتوحة القائمة بين الرئاسة من جهة وبين القضاء والتيارات السياسية الاخرى .
بعد ساعات من اصدار مرسي لتعديلاته الدستورية نزل أنصار حزب الحرية والعدالة الى الشارع وهم يحملون شعارات كانت واضحة على شاشات الفضائيات تطالب ب( تطهير الاعلام بعد تطهير القضاء ) . وهذا يكشف قصور الفكر والفهم لثورة ٢٥ يناير التي لم تكن انقلابا عسكريا ولا انتصارا لثورة حزب الاخوان انما جاءت تعبيرا عن ثورة شعبية ضمت جميع أبناء مصر .
لا يبدو ان هناك مجالا امام الرئيس المصري للخروج من الازمة الراهنة الا التراجع امام القوى الرئيسية المتصدية لإعلانه الدستوري ، واذا كان قد حرص على التأكيد بان الصلاحيات التي منحها لنفسه هي مؤقتة إلا ان رائحة ( التطهير) تفوح منها وهو ما ظهر في شعارات أنصاره . كما لم يعد خافيا بان كل ما يدور من تجاذبات وشد حبال بين القوى المختلفة يرجع الى الاختلافات بين الاخوان والسلفيين من جهة وبين التيارات الاخرى في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور . حيث يقوم الاعلام بدور كبير في إثارة جدل وطني عام حول مواضيع الخلاف داخل اللجنة ، وهو ما يزعج أنصار العودة الى الحكم الشمولي لكن بثوب أيديولوجي مختلف .
يرتكب الاخوان خطأ كبيرا في محاولاتهم الوصول الى دستور يرضي تطلعاتهم السياسية تحت مزاعم الأغلبية ، فالدستور كما يطالب مفكرو مصر وقادة الرأي العام فيها يكتبه جميع المصريين من خلال الإجماع داخل اللجنة التأسيسية . وان محاولات إقصاء الأطراف الاخرى بحجة عرض الدستور على الاستفتاء الشعبي عند الانتهاء منه هي تبني لديكتاتورية الاغلبية التي ستقود الى مزيد من الاستقطاب والانقسام السياسي والاجتماعي .فالاختلاف على الدستور مسألة مختلفة تماماً عن الخلافات على البرامج والقرارات داخل مجلس الشعب .
من الواضح ان هناك تيارا في حزب الحرية والعدالة الإخواني وفي أوساط حزب النور السلفي يحاول ان يستوحي نظاما لمصر من التجربة الإيرانية او اسوأ مافيها ، حيث يتم الادعاء بان تحصين القيادة من الخطأ وتركيز السلطة في يدها هو شكل من اشكال الديموقراطية التي تناسب الشعوب العربية والإسلامية . لا اعتقد ان هذا التيار سينجح في ظل روح شعبية كاسحة لثورة قامت تحت شعارات الحرية والعدالة والكرامة . ومثل هذه الشعارات لن تتحقق بدون قضاء مستقل وأعلام حر ومن يدعو الى تطهير القضاء والإعلام يخوض معركة خاسرة خاصة في مصر الدولة التي تتميز بعمقها الثقافي وتنوع المذاهب الفكرية والسياسية .