هلك الزرع والضرع في حرب البسوس وأجبر الحارث بن عباد على خوض معركة لا ناقة له فيها ولا جمل رغم محاولاته المستميتة للابتعاد عن أوارها .. فقد قُتل بجيرا ً ابنه غدرا ً في غير موقع قتال ، وكان يمكن تجنبها لو قتل الزبير بجيرا بكليب لكن الزير لم يرى في بجيرا ندا لأخيه وقال مقولته المشهورة "وهو يقتله " بؤ بشسع نعل كليب" ....والشِّسْعُ زمام يدخل طرفه في ثقب صدر الحذاء وذهبت مثلا عند العرب للتحقير والاهانة ...
لم يكن الحديث عن شسع نعل كليب غايةً في ذاتها، ولكنَّه للحديث عن سنديانة الأردن وضميره وقلبه النابض وفارسه وصفي التل في ذكرى استشهاده الواحد والأربعون، وصفي التل الذي ما زال بقلوب الشرفاء حي ، وصفي رجل الدولة على المستوى السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي ، .لم يملك فكراً أردنيا فقط بل اتسع ليكون عربيا وقوميا " ، وصفي الذي لم يعرف الخوف في سبيل الوطن والعروبة، وصفي الذي قضى نحبه فداء لأرض الوطن وترابه وكان يعرف انه سائر إلى حتفه كما سار طرفة بن العبد إلى قضاءه المبرم دون جزع من الموت حاملا كتاب قتله...
يقول وصفي التل رحمه الله: إن كل قروض العالم ومساعداته لا تكفي لبناء الوطن وتشييده وإنما يبنى الوطن ويشاد بعرق المواطنين وتضحياتهم بسواعدهم الملتفة وعزائمهم المتحدة؛ بسهرهم الدائب وتعبهم الموصول وبإرادتهم التي لا تقهر وإيمانهم الذي لا يضعف ولا يلين " ويقول أيضا: على الحكومة ألا تفسر الانضباطية التي يتحلى بها هذا البلد على أنها خوف أو جهل أو عدم معرفة؛ النقمة وصلت إلى كل مواطن سواء كان فلاحاً وراء محراثه أو جندياً في خندقه، ومراد هذه الانضباطية التي هي من شيم البلد هو رغبة كل مواطن ألا يشوش على حكومة ولاها جلالة الملك من جهة، وتقديراً من كل مواطن لدقة الظرف وحرج الأحوال من جهة أخرى... فهل هذا ما فعلته حكومات ما بعد وصفي؟!.... والتي رضخت لمطالب صندوق الدولي بحجة أن الاقتصاد الأردني على حافة الانهيار ، هل كان وصفي سيخصخص المطار والفوسفات والميناء وأراضي العبدلي والاتصالات والبوتاس والعقبة؟! وهو الذي تعلمنا منه أن الأهداف الصغيرة والمصالح الخاصة لا توحد شعباًٍٍ وان الأهداف الضيقة لا تعبئ امةً، وهو الذي لم يحاربنا في قوت يومنا .... ولم يعتبر حليب أطفالنا ترفا زائدا، ولم يقف في صف الظالم والفاسد، ولم يغير موقفه كالحرباء بعد استلامه المنصب.
أجمل ما كان في وصفي – وكله جميل- أنه لم يضحك على نفسه وعلى شعبه ولم يسق إليهم حججاً واهيةً لا تسمن ولا تغني من جوع و لم يفقد ارتباطه بقاعدته الشعبية ولم تكن هناك فجوة في عهده بين المسؤول والمواطن العادي .....
ظل وصفي فينا حاضراً منذ استشهاده وسيبقى؛ ولم ينساه الأردنيون لحظة واحدة، فالذاكرة الشعبية رسخت وجوده وبصماته وأعماله التي صبت كلها في صالح الوطن، ثم يأتي من يتجرا ويزعم أن التاريخ سينصفه وان أجيال المستقبل ستعرف كيف خدم الأردن وحمى الاقتصاد بل ويذهب أبعد من ذلك باستحضار الراحلين وصفي التل وهزاع المجالي في إحدى مقابلاته التلفزيونية باعتبارهما من الشخصيات التاريخية التي اتخذت قرارات مفصلية وحاسمة قبل دفع حياتهما ثمنا لها ... ويلمز في ذلك إلى نفسه في اتخاذه قرارا مصيريا .. ونسي أو تناسى أن القرار كان دماراً على المواطن وانه أجبر المواطن على تسديد فواتير الفساد والمفسدين ..فهل سولت له نفسه الأمارة بالسوء بان يتشبه بوصفي ... هل أدركتم الآن أن الزير كان صادقا .... ولا بشسع نعل وصفي!!!!