في صحف اليومين الماضيين أخبار وتحقيقات تتعلّق بمشروعين وطنيين كبيرين، كان يفترض أن يحققا مكاسب كبيرة للدولة والمجتمع، ويساهما في النهضة التنموية ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة خلال السنوات الماضية.لكنهما كليهما، للأسف، الشديد تعثّرا، ولم يحققا الأهداف الكبرى التي بنيت عليهما!المشروع الأول هو مشروع سكن كريم الذي واجه شبهات فساد، وما يزال يعاني من عزوف كبير عن شراء الشقق التي يوفّرها. أما الثاني، فهو مشروع المنطقة التنموية في معان الذي كان يؤمّل أن يوفّر آلاف فرص العمل، لكن أغلب محاوره بقيت حبراً على ورق!الحكومة أعلنت أنّها قرّرت تسهيل الحصول على شقة في مشروع سكن كريم، بمطالبة المواطنين فقط بالاسم والرقم الوطني. وعند سؤالي أحد خبراء العقار، ممن شاركوا في هذا المشروع، فيما إذا كان هنالك جديد في المشروع، أشار إلى أنّ نسبة ما تمّ بيعه من مجموع الشقق تصل إلى 35 % فقط، أي قرابة 3000 شقة من أصل 9000.المفارقة هي أنّ التسهيلات الحكومية في مسألة الأقساط بالفعل كبيرة؛ إذ يبلغ القسط حدود 100 دينار شهرياً، وهو سعر يعادل حتى الأجور المتواضعة للطبقة الفقيرة، الامر الذي يطرح –بعيداً عن شبهات الفساد- تساؤلاً عن أسباب هذا العزوف؟بالضرورة، أحد أبرز أسباب تعثّر بناء المشروع نفسه، هو الارتباك في تنفيذه، والتصورات الخيالية التي وضعت له في البداية من قبل المخططين، سواء على صعيد التنفيذ أو الكلفة. لكن ما نتحدث عنه الآن هو آلاف الشقق الجاهزة للبيع، بأسعار معقولة، وبفائدة منخفضة، لكنها لا تجد مشترين، في وقت يشطح فيه سوق العقار والشقق إلى أسعار خيالية!محدَّثنا الخبير العقاري يرى أنّ أحد الأسباب يعود إلى الإجراءات المعقّدة، وفشل كثير من المتقدّمين في الحصول على "ضامنين" لدى البنوك، لعدم انتظام دخلهم الشهري، مع أنّ احتمالات التزامهم كبيرة جداً، نظراً لانخفاض قيمة القرض. ويرى الخبير أنّ حلّ هذه المشكلة يتمثّل في تأسيس الحكومة شركة تأجير تمويلي، بحيث يدفع المواطن قيمة القسط، ويتملّك الشقة بعد عشرين عاماً، مع حق الشركة في استردادها إذا لم يسدّد القسط الشهري لعدة أشهر متتالية. وهو يرى أنّ هذه الفكرة يمكن أن تسهّل كثيراً إجراءات التملّك لهذه الفئة.يضيف صديقنا مشكلة التسويق الإعلامي الفاشل إلى هذه المشاكل، وأخطاء التخطيط للمشروع والتعثّر في التنفيذ، وعدم الالتزام بوعود، مثل تعثّر مشروع بناء مدرسة في أبو علندا للذين اشتروا في هذا المشروع، وسوء اختيار الأماكن في بعض مناطق المشروع.أحد الوزراء السابقين الذين اطّلعوا على تفاصيل المشروع بدقّة، يرى أنّ هنالك مشكلة حقيقية بنيوية، تتمثّل في غياب الاهتمام بالمرافق المتعلقة بالمشروع، والتنفيذ غير المتقن لعدد كبير من الشقق، في محاولة من المتعهّدين لتقليل الكلفة عليهم.على أيّ حال، السؤال الآن يتمثّل في تعريف المطلوب لإنقاذ هذا المشروع الوطني مما أصابه؛ سواء بقيام المؤسسات الرسمية والمتعهدين بإدخال تحسينات وصيانة للشقق وإضافة مرافق مهمة، وما يتعلّق بتسهيل الإجراءات للتملّك، أو تقديم حلول أخرى أكثر جدوى من بيع هذه الشقق لشركات وإلزامها بعقود معينة لبيعها للمستفيدين، من الطبقة الفقيرة والوسطى المتدنية الدخل، مع تغيير اسم الإسكانات، إذا كان يثير حساسية لكثير من المواطنين. المطلوب الآن تشكيل لجنة من خبراء ومسؤولين ورجال أعمال لوضع سيناريوهات وتصوّرات للتعامل مع آلاف الشقق المتبقية، والبدء في تنفيذها فوراً، ما يحل مشكلة كثير من العائلات من ناحية، ويوفّر مبلغاً جيداً للخزينة من ناحية أخرى!سنناقش غداً الموضوع الثاني: منطقة معان التنموية.
لماذا فشلنا؟! (2-1)
أخبار البلد -