كيف لرجل بذكاء الدكتور عبدالله النسور أن يقع في مثل هذا الخطأ؟ صبيحة تكليفه بتشكيل الحكومة، سارع إلى دعوة الإسلاميين إلى لقاء في مجلس الأمة، حاملا لهم عرضا بتمديد مهلة التسجيل للانتخابات مقابل التراجع عن قرار المقاطعة!يعرف النسور قبل غيره من السياسيين أن الإسلاميين لا يمكنهم التراجع مقابل عرض هزيل كهذا. ولو كان التسجيل هو مشكلتهم مع الانتخابات، لتجاوزناها منذ أن أعلنت الهيئة المستقلة تمديد الفترة أسبوعين.ماذا كانت نتيجة اللقاء مع الإسلاميين؟ لا شيء. وذلك يعني ببساطة أن رئيس الوزراء "المكلف" سجل فشلا على حكومته قبل أن تتشكل وتبدأ عملها.والمؤسف أن النسور لم يلتقط النتيجة، ومضى في عقد اجتماعات بلا معنى مع أحزاب المعارضة والوسط، والنقابات المهنية. وفي نهاية يوم طويل، وقبل أن يؤدي أعضاء الفريق الوزاري اليمين الدستورية، كان قادة الأحزاب والنقابات يدلون بتصريحات تعبر عن خيبة أملهم بالحكومة الجديدة وتوجهاتها.بهذا النهج خسرت الحكومة تحدي الانطباع الأولي الذي يؤثر إلى حد بعيد على توجهات الرأي العام المستقبلية تجاه الحكومة. فبعد موجة التفاؤل التي سرت في الساعات الأولى لتكليف الدكتور النسور بتشكيل الحكومة، عاد شعور بخيبة الأمل ليسيطر من جديد على الأوساط السياسية والإعلامية. وعزز ذلك الشعور تصريحات أطلقها النسور، لم يكن لها ما يبررها في هذا التوقيت.يمكن لنا أن نتفهم مشاعر الرئيس المضطربة بعد تكليفه بتشكيل الحكومة في هذه الظروف الحساسة، وسعيه إلى تجنب الظهور بمظهر الرجل المتقلب في موقفه، ومحاولاته التوفيق بين مواقفه تحت القبة واعتبارات المنصب الجديد. لا بل إننا، ولهذه الاعتبارت، نعتقد أن النسور لم يكن مضطرا إلى الاستعجال في عقد اللقاءات مع الإسلاميين وأحزاب المعارضة والنقابات قبل تشكيل فريقه الوزاري، ومقاربة المشهد السياسي، وصولا إلى اعتماد صيغة مدروسة للتعامل مع تحدي المقاطعة، وسبل التواصل مع القوى السياسية من موقع القوة لا موقع الاستجداء كما يتبدى من التصريحات المتواترة لرئيس الوزراء.النتيجة الوحيدة التي آلت إليها لقاءات النسور قبل التشكيل هي إغلاق باب الحوار مبكرا مع قوى المعارضة؛ فبعد التصريحات التي أطلقها قادة الحركة الإسلامية والنقابات المهنية، ورسالة أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي لرئيس الوزراء، وموقف النسور من قضية معتقلي الحراك، لم يعد هناك من مبرر للقاءات في المستقبل.لم يكن مطلوبا من رئيس الوزراء الجديد إقناع الإسلاميين بالعدول عن قرار المقاطعة، فهو لا يملك القدرة على ذلك لأسباب موضوعية خارجة عن إرادته. كل ما هو مطلوب أن لا تتحول المقاطعة إلى قطيعة مع الإسلاميين وغيرهم من قوى المعارضة ونشطاء الحراك، وتأسيس قنوات اتصال مستمرة معهم كي لا يصبح منطق الشارع هو الناظم الوحيد لعلاقة الدولة والمعارضة.النسور سياسي ذكي وصاحب خبرة. وإن كان ذكاؤه قد خانه في اليوم الأول لتولي المنصب الرفيع، فإنه ما يزال قادرا على الاستدراك، وتعويض الخسارة في الجولة الأولى
أخطاء النسور "الذكي" في اليوم الأول
أخبار البلد -