برر لي أحد نشطاء المحافظات القوميين، مشاركته فعالية " الإخوان"، الجمعة الفائتة، باحتجاجه على الاعتقالات في صفوف الحراك الشعبي. الاعتقالات، بالطبع، مدانة وتعبّر عن انعدام الحس السياسي بالمسؤولية الوطنية، لكن الاحتجاج عليها بإلغاء الذاتية السياسية، هو أشبه ما يكون بالاحتجاج على الصداع بتحطيم الرأس. ناشط آخر شارك احتجاجا على الحركة الوطنية الاجتماعية التي جمدت فعالياتها الميدانية. وهو تبرير يفيد بأن المسيرات والاعتصامات أصبحت، لدى بعض الأوساط الشبابية، مطلوبة لذاتها بغض النظر عن سياقها السياسي وأهدافها. هناك، دائما، أشخاص يعشقون الميكريفونات، ويلهثون وراء منصات الخطابة والتلفزيونات. وهي تشعرهم بالأهمية الشخصية حتى لو كانوا مجرد ديكورات. الغضب الشديد من السياسات الرسمية مبرر آخر لناشطين آخرين. وأنا أضيف بأن تلك السياسات تدفع المرء للتحالف مع الشيطان، لكنها لا تدفعه إلى الماسوشية، أي الاستمتاع بإهانة الذات وتعذيبها. من الواضح أن " الإخوان" توصلوا، أخيرا، للدمج بين قضيتهم الخاصة المتعلقة بمطلبهم للشراكة في الحكم ـ أسوة ببلدان الربيع العربي ـ وبين قضية تيّار المحاصصة السياسية الساعي إلى استقطاب الأردنيين ـ الفلسطينيين. وسوف يمنح هذا الدمج للطرفين قوة مضاعفة قادرة على تحفيز وتنظيم قاعدة جماهيرية متسعة وراء برنامج سياسي يحظى بدعم دولي ( أميركي وأوروبي) علني، ويمكنه أن يفوز، أيضا، بالدعم الإقليمي من قبل قَطر وأنظمة الربيع العربي وتركيا. يؤكد تقرير للجزيرة نت أن "الإخوان" يقودون الاعتراض على قانون الانتخابات الذي " يعطي العشائر في المناطق الإقليمية التي يقطنها عدد قليل من السكان، حصة من المقاعد البرلمانية، أكبر بكثير من تلك المخصصة لمعاقلهم في المدن". وهي خلاصة بالغة الدقة من منبر إعلامي صديق للإخوان، يختصر لائحة شروط الإصلاح السبعة التي رفعتها جمعة 5 تشرين الأول. ولا أعرف ما هي مشاعر نشطاء المحافظات الذين قدموا إلى عمان للمشاركة في فعالية سياسية تسعى إلى مضاعفة تهميش محافظاتهم سياسيا ، إضافة إلى ما تعانيه من تهميش اقتصادي؟ يستثمر " الإخوان" حالة الفوضى في صفوف الحراك الشعبي الذي خضع لعملية تفكيك سياسي ـ أمني انتهت بفقدانه البوصلة الذاتية وانكشافه على مؤثرات الأجندات المختلفة من خارجه. لقد تشقق ذلك الحراك ـ الذي كان منسّقا في شبكة وطنية إلى أكثر من مائة وخمسين لجنة ومسمّى تشكل لوحة فوضوية. ويستخدم " الإخوان" عددا من تلك اللجان للحصول على غطاء سياسي، لكن من دون تمكين الحراكيين من المشاركة في صنع القرار المعارض. عوامل عديدة ساهمت في انكماش وتشقق الحراك الأردني، اعتبارا من صيف العام الحالي، منها الشكوك حول المآل غير الشعبي لأنظمة الربيع العربي، وتحوّل الحراك الديموقراطي إلى حرب مروّعة في سورية، والإصابة المبكّرة بأمراض الانشقاقات الحزبية والفئوية والفردية، وضعف الثقافة السياسية مقابل المؤثرات الإعلامية الليبرالية ـ الوهابية، إلا أن المسؤولية الرئيسية التي عرقلت ولا تزال تعرقل وحدة الحركة الشعبية وفاعليتها، يتقاسمها طرفا الثنائية القاتلة (النظام / "الإخوان")، المتواطئة على منع قيام القوّة السياسية الثالثة في البلاد. وهي القوة الوحيدة المؤهّلة، ببرنامجها الوطني الاجتماعي، لتلافي الانهيار تحت ضربات الانشقاق الأهلي. أصبح واضحا أن طرفيّ الثنائية تلك، يزمعان الخروج من أزمتيهما بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو الفوضى المعممة؛ ففي الفوضى، تُطوى ملفات محاكمة الفساد ومراجعة الخصخصة والتنمية والمسألة الوطنية، وتعيد النخب الحاكمة إنتاج هيمنتها على المجتمع في مواجهة " الإخوان"، ويغتنم الأخيرون الفرصة لتفكيك الحركة الوطنية الشعبية واستلحاقها سياسيا، وتنظيم "الجهاد" للاستيلاء على السلطة، بالانتخابات أو بالعنف. |
||
ynoon1@yahoo.com |
ماسوشية
أخبار البلد -