أخبار البلد -
يتابع المراقب الحملة الواضحة على الإخوان المسلمين، واختصار الأزمة (أزمة الإصلاح) في مشاركتهم أو مقاطعتهم للانتخابات، وتركيز أكبر على سؤال شعبيتهم في الشارع. مع تجاهل مقصود لسائر الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح.
يعتقد مروجو هذا الخطاب أن مشاركة الإخوان في الانتخابات ستمنحها مصداقية عالية، وستعني حل المشكلة برمتها، وصولا إلى برلمان جديد ينهي الحراك الإصلاحي، لكنهم يقولون في المقابل إن مقاطعة الإخوان ستؤدي إلى خسارتهم، وأن قطار الإصلاح سيمضي في طريقه المرسوم، ما يفرض سؤالا بسيطا هو: لماذا لا يتركوهم يقاطعوا، وهل يريدون إقناع الناس بأنهم حريصون على مصلحة الإخوان أكثر من الإخوان أنفسهم؟!
المشكلة أن سائر المقالات والتقارير والحوارات والبيانات التي يدبجها البعض لا تبدو مقنعة، فالمشكلة لا تتعلق بالإخوان وحدهم، بل بحراك شعبي طويل عريض امتد لعامين يطالب بإصلاح حقيقي، وهو حراك لا يمكن أن ينتهي بمشاركة الإخوان، بل إنهم سيكونون الخاسر الأكبر إن قبلوا بمشاركة لا تغير في واقع الحال شيئا، اللهم سوى حصولهم على حفنة من المقاعد تمنحهم فرصة الصراخ في برلمان لا يختلف كثيرا عن برلمانات سابقة منذ العام 93 ولغاية الآن.
في المرافعات اليومية نسمع كلاما طويلا عريضا عن شعبية الإخوان ومبالغتهم في تقدير وزنهم السياسي، لكن امتحان الشعبية لا يكون من خلال قانون انتخابي مشوَّه، بل من خلال قانون معقول يعكس وزن كل تيار في الشارع.
وإذا قيل إن القائمة الوطنية التي يطالب بها الإخوان لا يمكن أن تكون مقبولة لأنهم التيار الوحيد المنظم في الشارع (كأنه ذنب يعاقبون عليه؟!)، فهل يقبل المعنيون بقانون ليس فيه قائمة وطنية من الأصل، ولكنه يعتمد دائرة واحدة بمقعد واحد على سبيل المثال؟!
ما هي الصيغة السياسية العادلة التي تعكس شعبية الإخوان أو سواهم من التيارات السياسية، وهل يعتقدون أن صوتا واحدا للناخب الواحد في دائرة متعددة المقاعد هو الأكثر دقة لحساب الشعبية في ظل نسبة بسيطة للقائمة الوطنية؟! بل إننا نسأل من باب الجدل: هل يقبلون مثلا أن يخوض الإخوان الانتخابات بذات القانون الحالي بشرط أن يحصلوا على مقاعد توازي نسبة الأصوات التي سيحصلون عليها في سائر الدوائر من مجموع المصوتين، إضافة إلى القائمة الوطنية؟!
لا يطالب الإخوان بصيغة تمنحهم أكثر من حقهم، بل يقبلون بأقل منه إذا كان المسار الانتخابي يفضي إلى برلمان مسيس لا يقوم على نواب الخدمات الذين يقايضون بعض المكاسب بالمواقف السياسية وغير السياسية.
يعلم الجميع أن القانون الجديد لن يفرز غير نسخة من البرلمان السابق مع تعديلات طفيفة تتعلق بحصول الإخوان وبعض المعارضين على نسبة بسيطة من المقاعد لا تغير شيئا في صيغة الحكم والسياسة في البلاد.
دعك هنا من مقاولي الوطن البديل والتوطين (ومرضى فيروس الإخوان الذي يعشش في دمائهم) ممن يرهقون أسماع الناس كل يوم على نحو يستفز قطاعا عريضا من أبناء البلد ممن لا يبدون معنيين بنسبتهم في البرلمان بقدر عنايتهم بالحقوق المدنية، فالكل يعرف أنه لا الإخوان ولا الجبهة الوطنية للإصلاح قد طالبت بقانون ينطوي على منح الفئة المشكوك في نواياها كامل حصتها بحسبة الديمغرافيا، حتى لو طالب بعضهم بتحسينها على نحو ما.
المشكلة واضحة وضوح الشمس: هل تريدون برلمانا يعبر عن مجموع الناس ويفرز حكومة برلمانية، أم مجرد ديكور ديمقراطي ينتمي لحقبة ما قبل الربيع العربي؟ إذا كنتم تريدون الخيار الأخير، فلا الإخوان ولا كثيرين غيرهم يمكن أن يقبلوا بذلك. وإذا كانت بعض القوى السياسية الهامشية ستتورط في المشاركة على أمل الحصول على بضعة مقاعد تتسلى بها مع تنفيس العقد حيال الإخوان، لاسيما بعد الخلاف على المسألة السورية، فإن ذلك لن يشكل رفعا لأسهمها في الشارع، بقدر ما سيتسبب في مزيد من عزلتها الشعبية، حتى لو جرت مساعدتها في الحصول على حفنة من المقاعد بهذه الطريقة أو تلك.
خلاصة القول هي أن المشكلة ليست في الإخوان، بل في القرار السياسي الذي يرفض الاقتناع بأن زمنا جديدا يلوح في المنطقة، . بل إنه لن يقبلها حتى لو قبل بها الإخوان في موقف سيمثل شكلا من أشكال الانتحار السياسي.