أخبار البلد -
حاول الإخوان المسلمون، تلطيف دعوتهم إلى " تغيير بنية النظام" بالقول إنه لا يزيد على "إجراء تعديلات على المواد الدستورية 34 و35 و36 بحيث تكلف الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة وينتخب مجلس الأمة كاملا ويحصن من الحل". لكن تحقيق هذا المطلب لا يؤدي إلى "تغيير بنية النظام"، إلا إذا كان المقصود أن التعديلات الدستورية سوف تسمح، لاحقا، بقيام حكومة تحقق ذلك الهدف.
هدف "تغيير بنية النظام"، يساوي تغييره مع الاحتفاظ بالشكليات. وهو ما يتجاوز تقييد صلاحيات الملك إلى تقويض الأدوار السياسية لبنى اتخاذ القرار الحالية كالبيروقراطية والمخابرات والقوات المسلحة والعشائر، وتخويلها إلى برلمان وحكومة إخوانيتين. وإذا ما حدث كل ذلك، فإن الإخوان سيحوزون السلطة السياسية، ويمكنهم، عندها، أن يطيحوا بالشكليات أيضا.
من الواضح أن الإخوان المسلمين يتجهون أكثر فأكثر نحو التطرّف. وقد يكون هذا التطرّف لفظيا يستبدل بالكلام الواضح حول تعديل المواد الدستورية 34 و35 و36 ، شعارا ساخنا يشفي الغليل مثل تغيير بنية النظام. وهو ما يعكس ، أقله، حالة الإخوان الذين يعيشون اليوم مزاجا متطرفا ناجما عن شعورهم العميق بالفشل والعزلة.
اعتاد السياسيون والكتّاب الليبراليون على القول إن الأزمة السياسية الأردنية ناجمة عن إقرار قانون انتخابات لا يلائم الإخوان المسلمين وجماعات الحقوق المنقوصة، لكن دراسة غير منشورة تبيّن أن 20 بالمئة فقط من الأردنيين لديهم فكرة عن ذلك القانون والسجالات حوله. وفي يقيني أنه لو جرت، بالمقابل، دراسة حول معرفة الأردنيين بملف الفساد في الفوسفات، لكانت نسبة العارفين بتفاصيله لا تقل عن 80 بالمئة.
مقاطعة التسجيل للانتخابات النيابية سقطت، وسوف يكون لدينا، مع نهاية هذا الشهر، سجل ناخبين نظيف وكاف لإجراء انتخابات ذات صدقية. وقد بدأ المرشحون بالظهور، وبدأت القوائم الوطنية تتشكل، وسيجد الإخوان أنفسهم، عما قريب، في عزلة كاملة. وهو ما سيدفعهم إلى المزيد من التطرّف اللفظي، وربما الفعلي.
ومما يفاقم على الإخوان الأمر أن التسوية الدولية بشأن الحل في سورية، تقترب، ولا مكان فيها لنظرائهم السوريين، بينما يتكشّف نظراؤهم المصريون والتونسيون عن براجماتيين متشبثين بعلاقات التحالف مع الولايات المتحدة، ليس، فقط، بتقديم التنازلات حيال إسرائيل، بل حتى حيال الاعتداء على الرمزية القدسية للرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم). وهو ما يُضعفهم عند جمهورهم، ويزيد توترهم.
تغيير بنية النظام نحو سلطة إخوانية؟ ولمَ لا؟ إنما فلننظر بما تعدنا به تلك السلطة:
ـ الإبقاء على نهج الخصخصة والنموذج النيوليبرالي والخضوع لصندوق النقد الدولي،
ـ الإبقاء على نهج التبعية السياسية للغرب، بل وتعزيزه،
ـ الإبقاء على معاهدة وادي عربة وتوثيق التنسيق الأمني مع إسرائيل،
ـ تخوين المعارضين،
ـ حجب الحريات المدنية والشخصية،
أي أنهم سيكررون، باختصار، ما فعله الإخوان المصريون. لكنهم سيزيدون بإلغاء قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، وفتح باب التجنيس السياسي على مصراعيه، وتهيئة البلد للوطن البديل في صيغة كونفدرالية مع حماس.
على أن على جميع الأطراف الانتباه إلى أن التطرّف الإخواني جاهز للتحول من صيغه اللفظية إلى صيغ بالغة الخطورة. فاليأس يقود إلى المغامرات .