لم أفاجأ كغيري من تصريح وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال سميح المعايطه من أن هناك جهات لم يسميها ، تسعى لإفشال العملية السياسية برمتها وإفشال الانتخابات المقبلة ، فيما تناسى الناطق المعايطه أن "الجهود الكبيرة " التي تبذلها الحكومة ورئيسها الموقر تدفع المواطن للإحجام عن المشاركة من تلقاء نفسه ، ولا يقف خلف مواقفه أية جهات كانت حزبية أم إعلامية ، ولنطالع الأسباب التي دفعت الناس لمقاطعة العملية الانتخابية ، ولنقرأ ، وليقرأ كل عاقل في الدولة الأردنية من هو المسئول، ومن ثم نحاكم المعني ونرد إليه المسئولية في الفشل والأزمة التي تصاعدت منذ قدوم الطراونه للرئاسة عبر ما ارتكبه من اخطاء ومهلكات دفعت الأمور إلى ما وصلت إليه :
أولا : لم يكن القانون الذي طرحته الحكومة وأجرت عليه تعديلا كان بمستوى طموح الناس والقوى الفاعلة في الساحة الأردنية ، إذ تخندقت الحكومات خلف الصوت الواحد ، فيما لازالت القوى تطالب بتوسعة تلك التعديلات لتشمل على الأقل 3 أصوات موزعة بين الدائرة الفرعية والمحافظة والوطن ، وقد عملت القوى السياسية تاجيل المطالبة بالتعديلات الدستورية وتركها لمجالس نيابية قادمة من اجل إصلاح الحال للخروج من الأزمة ، ولم تتحرك الحكومات للاستجابة لتلك المطالب .
ثانيا : أثبتت الأحداث والوقائع والتطورات اللاحقة ، أن الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات لا تملك من أمرها شيئا ، وان دورها قد جرى السطو عليه وسرقته وتهميشه من قبل الحكومة ،وبدت هذه الهيئة لاحول لها ولاقوه ، ويستغرب الناس احتفاظ رئيسها بموقعه دون استقالة او ما يشير إلى تلك السطوة الرسمية ، فهي لا تملك الصلاحية لإصدار البطاقات ، وسرق من إدراجها بضع آلاف من البطاقات لم يجر الكشف عنها حتى الآن ، وتم الاستعانة بالمؤسسة العسكرية وأفراد تلك المؤسسات لدفعهم للمشاركة والحصول على البطاقات لهم ولعائلاتهم بغية تغطية فشل الحكومات في جر الناس إلى المشاركة ، و هي مخالفة صريحة للدستور والأعراف بحيادية تلك المؤسسات ، ويجري الآن تسليم مئات البطاقات الانتخابية لعدد من المرشحين دون الطلب إليهم إبراز الهوية الرسمية لمجرد اتصال تلفوني يجري مع مدراء تلك الدوائر من قبل أولئك المرشحين والنواب الحاليين ،فيما تمنع بالمقابل مواطنين آخرين من الحصول عليها دون إثباتات القرابة والنسب لبطاقات أقاربهم ، وبالتالي غابت النزاهة والشفافية والحيادية التي يتحدث عنها رئيس الوزراء ، ولم تعد هناك أدنى درجة للثقة بان الانتخابات ستجري وفقا لمعايير النزاهة .
ثالثا : فوجئ الناس بأن من يدعو للمشاركة في الانتخابات ويقومون بسحب البطاقات لصالح جمهورهم ، تقدم لهم تسهيلات واسعة ووعود لم يخفوا فيها رغبة الأجهزة مشاركتهم ودعمهم للوصول إلى المجلس ، وإن كانت بعض تلك الشخصيات تحظى بالاحترام ، فان الغالبية منهم من أصحاب سوابق وجنح وقضايا فساد لازالت مدرجة في مكاتب دائرة مكافحة الفساد ، ولم يجر التحقيق أو التحقق من تلك القضايا ، ويقومون وبعلم الدولة ومباركتها بحجز تلك البطاقات مقابل 50 دينارا تدفع حين التسليم و 50 دينارا أخرى تدفع يوم الانتخاب عند الصندوق ! فكيف يمكن لشعب يطالب برحيل مجلس النواب الحالي لوجود بضعة فاسدين وسماسرة أن يشارك بصناعة مجلس أشد وطأة وأعظم فسادا من قبله !
رابعا : بالرغم من وجود لجنة إنتقاء كبار موظفي الدولة للترشح لمناصب عليا في الدولة ، والتي نشطت حكومات الخصاونه والبخيت في إرسائها ، فقد خالفت هذه الحكومة تلك التوجهات ، وأرست سياسة الترضية والمحسوبية والفئوية ، وبدأت تتوسع بها من خلال تعيينات مناطقية وفئوية ترضي الكبار ، ومن يطالع قوائم التعيينات الأخيرة يدرك أن غالبية من جرى تعيينهم هم أقارب وانسبا وأبناء لكبار المسئولين ، وان كل الأسماء المرشحة التي تم مقابلتها وإقرار كفاءتها أرسلت إلى سلة المهملات، في تحد صارخ لمشاعر الناس والشباب الكفء الذين اجروا تلك المقابلات ، وقد بدت التعيينات هزيلة لحد أن يتولى أطباء أو حملة تخصصات لاعلاقة لها بتلك المواقع التي تقلدوها ، وبدت أن الحكومة تحاول تصفية حسابات مع مناطق في المحافظة الواحدة دون غيرها من بقية المناطق لدواع سياسية ، فتقوم بتركيز تعييناتها على منطقة لا تشهد حراكا او نهضة تطالب بالإصلاح ، وما هي إلا فتن تريد الحكومة أن تفتعلها لتأزيم البلاد وخلق الفتن بين أبنائها ، فكيف يمكن لمواطن أن يثق بحكومة تعمل وفق تلك المبادئ التي جعلت الأردن مزرعة خاصة لإبائهم ولأبناء طبقة الحكم الفاسدة ذات التاريخ الأسود ..
خامسا : لم يحظى الرئيس الحالي ولا غالبية أعضاء الحكومة بتقدير الناس واحترامهم بسبب مجمل قضايا تناولها الناس على صعيد شخصي أو سياسي أو حتى اجتماعي ، فالوزارة الحالية ابتعدت كل البعد عن مسار طريق الناس وثقافة الشعب وخالفت أبسط معايير القيم الثقافية والاجتماعية من خلال عدة نشاطات وقرارات وسياسات تعرف أنها غير مرحب بها ، فالإصرار على إقامة مهرجان جرش وسط أزمة داخلية يعيشها الأردن ووسط غلاء فاحش وفقر وبطالة ، بالإضافة إلى مذابح ودماء الشعب السوري لم يكن أمرا مقبولا ، ، وكذلك ترسيخ إقامة مهرجانات وليالي ترف وفسق مثل سهرات القلعة لساعات الصباح الباكرة والتعرض للناس ومهاجمتهم من المحتجين على ذلك " الفسق " لم يكن بالأمر الطيب.
سادسا : طرحت حكومة الطراونه وفي سابق مخاطرة وتحد لأبناء الشعب الأردني عددا من مشاريع قوانين عُرفية للحد من حرية تعبير الناس وحراكهم السلمي ، مثل قانون المطبوعات سيء الذكر وقانون تنظيم الحراك ،و الذي يعد مؤشرا لتراجع الحكومة عن مجمل إصلاحات وعدت بها ،ومؤشر خطيرا لتورط الحكومة في أجندة بضعة فاسدين ، جرى خلالها تطويع إمكانات ومقدرات الحكومة وسلطتها في خدمتهم ، فكيف يمكن أن تستمر حكومة تحركها أصابع خفية معروفة بجرائم ومفاسد ارتكبتها بحق الوطن ،كما أن الحكومة في ظل ظروف اقتصادية صعبة لم تتوان عن رفع أسعار المواد التموينية والمحروقات وما قيل عن ارتفاع لأسعار المياه والكهرباء ،ضاربة بعرض الحائط ظروف الناس ومعاناتهم جراء رفع الأسعار الكبير الذي شهدته البلاد منذ شهرين ، وزاد من معاناتها وقهرها .
سابعا : أثبتت هذه الحكومة أنها غير ملتزمة بتطوير وتنمية محافظات الوطن ، فكل المشاريع التي قيل أن الحكومات تسعى لإقامتها في المحافظات الأشد فقرا لم تحظ بأي رعاية أو متابعة من لدن الرئيس والطاقم الحكومي بالرغم من وجود مخصصات مالية جرى إقرارها منذ سنين وتحدث بها الملك نفسه ، ولاُيعرف سبب تجميد تلك المشاريع ! ولم تقف عند هذا الحد ، بل وراحت تتعمد تعطيش الناس وتقصير المياه عنها في مناطق عدة ، في دعوة إلى أن يتمنى الناس بقاء الحال و "شكر النظام على النعم العظيمة " من الأمن والاستقرار ووصول المياه لغالبية تعاني الجوع والحرمان !
لا بد من إعادة إنتاج قانون انتخاب عصري يعيد الهيبة للنظام ، ويسمح بمشاركة شعبية وحزبية كبيرة تسعى جاهدة لإخراج البلاد من أزمتها بعيدا عن ممارسات وسياسات بضعة " مغامرين " فشلوا في إدارة أزمة يمكن مواجهتا بكل يسر ، فلا بد هنا من تغيير يطال هذه السياسات ، وتعيد الحكومة حساباتها ، لأنها تسير بعكس تيار الشعب الذي يطالب الآن برحيلها ورحيل المجلس غير المأسوف على أعضائه وإنتاجه ، فاستمرار المجلس بعمله كي يكمل ما تدفعه الدولة لإقراره ، سوأ أكان مخالفا أو معارضا لتوجهات الناس بات أمرا لم يعد مقبولا ، وأن استمرار الحكومة الحالية بعملها ما هو إلا مؤشر على رضا النظام من سياساته المغامرة التي ستدفع البلاد إلى أزمة قد لايكون الخروج إلى الشارع فقط هو أداتها وسبيلها للخلاص منها !