أخبار البلد -
إنّ الإسراع في إجراء الانتخابات يعني بالضرورة الإسراع في حلّ مجلس النواب، وهذا سيؤدي حتماً إلى الإسراع في مضيّ الحكومة الحالية إلى حتفها، ولا يسمح الدستور المعدل للرئيس الحالي بإعادة تشكيل الحكومة مرةً أخرى، ما يضع الحقيقة الواضحة للعيان أمام المجتمع الأردني، أنّ الحكومة وأية حكومة لن تكون سعيدة في السعي إلى اتخاذ الاجراءات التي تؤدي إلى تسريع وتيرة الرحيل الحكومي؛ ولذلك فإنّ هذه الحقيقة تجعلنا قادرين على تفسير إستراتيجية الحكومة في السعي إلى توتير المشهد السياسي وزيادة منسوب الاحتقان لدى الشارع الأردني وتعزيز مخزون الحقد الداخلي الشعبي تجاه الجانب الرسمي، وعدم اللجوء إلى إعطاء أية بارقة أمل بانفراج سياسي، ولا إعطاء أية إشارة عملية لتحقيق أية خطوة إصلاحية معقولة، تدفع الشعب الأردني نحو التفاؤل والإيجابية في التعامل مع الشأن الانتخابي من أجل عرقلة إجراء الانتخابات ومن أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.
أول تصريح أطلقه رئيس الحكومة عشية تكليفه بتشكيل الحكومة بشّر الناس من خلاله بالقول إنّ قانون الصوت الواحد لم يدفن بعد، ما أدى إلى رش وجوه الناس بماء بارد ممزوج بحبيبات لقاح الإحباط واليأس، كما أنّ الرئيس المكلف خالف كل الأعراف المتبعة لدى الرؤساء عندما يتم تكليفهم بتشكيل الفريق الحكومي من خلال عقد المشاورات غير الملزمة مع القوى السياسية والحزبية والقوى الاجتماعية والوطنية والنقابية والإعلامية، بل أدار الرئيس ظهره لكل القوى والمكونات ولم يكلف نفسه عناء عقد لقاء تشاوري مع أية جهة معارضة أو موالية، وأشعر الشعب الأردني كله أنّه ليس بحاجة إلى كل هذا!! فجاءت التشكيلة الوزارية عبارة عن رشقة ماء أكثر برودة على وجوه القوم.
لم يكتف الرئيس بذلك، بل أدلى بمجموعة تصريحات تدل على منهجيته في التعامل والاتصال مع القوى السياسية والشعبية، عندما صرّح أنّه ليس سائلاً عن شعبية ولا جماهيرية، ولا يشكل ذلك لديه أي تأثير في اتخاذ قراراته الحاسمة والمؤثرة في حياة الناس ومصيرهم.
وفي معرض تعليقه على قانون الانتخاب صرح قائلاً إنّنا لا نسعى من خلال القانون إلى إرضاء طرف أو إغضاب طرف، بمعنى آخر أننا نضع القانون الذي نريد رضي من رضي وغضب من غضب، ما يدل على العزم المسبق باتجاه إقصاء أطراف معينة وتهميش مكونات اجتماعية مهمّة.
وفي هذه الفترة القصيرة من عمر الحكومة التي جاءت بالأصل من أجل تهدئة الأجواء وتخفيف التوتر، وإشاعة أجواء الانفراج السياسي، والبدء بخطوات حكومية تشعر الناس بالمشاركة والتقدم نحو مرحلة جديدة تبشر بالديمقراطية والرفاه، عمدت الحكومة إلى النقيض تماماً، فعمدت إلى شتم المتظاهرين في الشارع، ورفع أسعار الوقود، وتقديم قانون يكبل الحريات، وزاد منسوب الدين العام، وأرهقت الموازنة العامة بمزيد من الفوائد والاستحقاقات ولم تعمد إلى تقديم خطوة واحدة تقنع الناس بالنية الجادة نحو محاربة الفساد، والسير نحو الإصلاح المنشود، واسترجاع أموال الأردنيين المنهوبة.
وفي وجبة التعيينات الأخيرة التي جاءت في مرحلة إقناع الناس بالتفاعل مع إجراء الانتخابات، جاءت لتزيد منسوب الشك والإحباط، وإثارة التساؤلات الشعبية المريرة حول هذه الطريقة المعتمدة في ملء المناصب الكبرى في الدولة، بعيداً عن الشفافية وبعيداً عن معايير النزاهة وبعيداً عن معايير العدالة في تحقيق المنافسة بين رجالات البلد الأكفاء، ما يجعل المواطن يصل إلى حد اليقين أنّه بعد ما يقارب العشرين شهراً على تفجر ثورات الربيع العربي، وحراك الشارع المستمر، أنّ الحكومة الحالية أرجعت الأردن إلى ما تحت الصفر المئوي، وبددت كل الجهود والحوارات واللقاءات التي تمّت، وكل التصريحات والمبادرات والاقتراحات أصبحت رماداً اشتدت به الريح في يومٍ عاصف، ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول نوايا الحكومة المبيتة، والمخفية. فهل ما أقدمت عليه الحكومة وما تفعله يسير في اتجاه إقناع الناس بجدوى الانتخابات؟ وهل هذه الخطوات وهذه السياسات تشيع أجواء الانفراج والتفاؤل بالتغيير، والقدرة على تخليص الأردنيين من ربقة الفساد؟ وهل استطاعت الحكومة وضع قواعد المشاركة مع القوى السياسية والاجتماعية والنقابية والشعبية من أجل التعاون على بناء الأردن المستقر القوي الآمن المزدهر؟
وهل بذلت الحكومة أي جهد في تبديد غيوم الشك وإزالة ضباب التوتر، وتخفيف الاحتقان وتقريب وجهات النظر، وتوحيد المجتمع في هذا الوقت الحرج، وفي هذه المرحلة الخطيرة من عمر الأردن ؟