أخبار البلد -
لعل بيت الشعر هذا، إن أسعفتني الذاكرة، للإمام علي إذ يقول: لا يبلغ العاقل من خصمه...ما يبلغ الجاهل من نفسه، والمعنى في ذلك جلي وواضح، فالعاقل لا يؤذي خصمه بالقدر الذي يؤذي فيه الجاهل نفسه، وهذا الحال ينطبق على أمة العرب في الزمن الحاضر، إذ أن ما يجري على أرضنا مخطط له ومدروس، والمتربصون بنا عرفوا المداخل والمخارج لعقلنا الذي كان ولا يزال مغيباً عن واقعه وواقع المراهنين على رجعيته، ومن السذاجة والسخف أن نلوم عدواً يخدم مصلحته ويجاهر بها للقاصي والداني، ويضع لها الخطط المكشوفة والتفاصيل المعروفة بأناة وروية، دون اعتبار لأحد كأنما الأرض قفر والناس غثاء، ولننظر ماذا فعل ويفعل بنا المتربصون، ففي الكتيب الذي نشره مؤسس الحركة الصهيونية «ثيودور هرتزل» عام 1896م وأسماه (دولة اليهود) بمفهومها العنصري، وضع حدوداً لهذه الدولة تبدأ من الجبال المواجهة لكبادوكيا (تركيا) وتصل إلى قناة السويس ودون حدود لها من الجهة الشرقية! وفي مؤتمر الصلح المنعقد في باريس عام 1919م، قدَّمت الحركة الصهيونية حدوداً معدلة لدولتها المقترحة تشمل كل فلسطين التاريخية وجزءاً من جنوب لبنان ضم صيدا وصور، ووصلت هذه الحدود جنوباً إلى ماوراء العريش في مصر، أما شرقي النهر فسارت الحدود محاذية للخط الحديدي الحجازي واستمرت حتى العقبة، وما حدث بعد ذلك من تطورات في القضية الفلسطينية والدولة العبرية معروف ولا يحتاج إلى تكرار، لكن ما يثير العجب، فضلاً عن غياب العرب وغفلتهم، هو الدور الأميركي المكشوف حد الاستهجان، ففي التقرير الذي كتبه مبعوث الرئيس الأميركي «روزفلت» للشرق الأوسط الجنرال «باتريك هيرلي» المؤرخ في 3 أيار 1943م، أي قبل قيام إسرائيل بخمس سنوات، وردت ثلاث توصيات غاية في التطاول على حقوق العرب وكرامتهم وعلى هذا النحو:
أولاً: إقامة دولة يهودية ذات سيادة تشمل فلسطين التاريخية كلها وشرق الأردن فيما بعد!
ثانياً: تهجير نهائي للفلسطينيين إلى الدول المجاورة!
ثالثاً: تسليم القيادة في الشرق الأوسط لليهود فيما يتعلق بالإقتصاد والسيطرة العسكرية!.
وإذا دققنا في ما جرى بعد ذلك من أحداث، نجد أن الحركة الصهيونية، المدعومة أوروبياً وأميركياً، قد حققت، حتى الآن، معظم أهدافها الأساسية، فخارطة العراق الممزقة والربيع العربي الذي فقد بوصلته تتطابق فيها المسارب تماماً مع الخطط المرسومة، وذلك يثبت دون شك أن المراهنة على رجعيتنا الطائفية والعرقية قد نجحت إلى حد فاق المرسوم على الورق، وهم الآن في طريقهم لتفتيت سوريا إلى عدة كيانات طائفية ومذهبية وزرع ذات الانشقاقات في مصر وتونس واليمن بعد أن فتَّتوا قبل ذلك لبنان والصومال والبقية على الطريق، وفي الحقيقة أننا نحن السبب فيما حدث ويحدث، ففي ختام زيارته للسعودية في 12 تموز الماضي قال رئيس مصر «الإخواني» «محمد مرسي»، إن «مصر والسعودية حاميتان للإسلام السني»! مما يعني أن مصر تتجه للدخول في استقطاب مذهبي يضع دول أهل السنة في مواجهة الشيعة، ولنتخيل الكوارث التي سيجرها مثل هذا الاستقطاب، والفوائد التي ستحصدها الصهيونية من وراء ذلك، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء، الأنعام، 159)، فهل ندرك حقيقة ما يجري لنا وننظر إلى أي هاوية نحن سائرون؟!.