هل تريدون دولة قانون، أم قانون الغاب؟
- الأربعاء-2012-08-08 | 11:34 am
أخبار البلد -
في جردة حساب للوضع الأردني العام منذ "الربيع العربي” يمكن استنتاج ثلاثة اشياء اساسية. الأول هو حدوث انفتاح حقيقي في حريات التعبير سواء الإعلامية أو المجتمعية، بحيث لم تعد القبضة الصارمة تسيطر على تدفق الآراء والمعلومات كما في السابق. الاستناج الثاني هو حدوث تقدم نسبي ثم بعض التراجع في مسار الإصلاح السياسي وما بين تعديلات دستورية تقدمية و قانون انتخاب تقليدي يمكن لنا استشعار التراجع في السياق الزمني للإصلاح السياسي. الاستنتاج الثالث وهو الأخطر مفاده أن هيبة القانون في الأردن قد تراجعت ، وهذا يمكن ربطه تماما مع أجواء الربيع العربي وإضطرار الدولة إلى "تخفيف القبضة الأمنية” لتسهيل العمل السياسي، فكانت النتيجة أن المنفلتين والراغبين بتجاوز القانون استفادوا من هذه الفرصة.
علينا الآن أن نقرر وبدون مجاملة ورياء ونفاق إذا كنا كدولة ومجتمع قادرين على الاستمرار في سياسة "تخفيف الأمن” والتي قد تكون ساهمت في تحسين أجواء الحريات ولكنها أضرت كثيرا بعنصر استقرار كان شبه مضمون في الأردن وهو الكفاءة الأمنية وهيبة الدولة. نعم، كانت هنالك تجاوزات على القانون قبل الربيع العربي وكان هنالك تعامل انتقائي مع المواطنين حسب ثقلهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في كيفية تطبيق القانون، ولكن لم تصل الأمور أبدا إلى استهداف الشرطة والأمن العام.
أخطر مراحل ومظاهر تجاوز القانون هي استقواء الخارجين عن القانون بعائلاتهم وعشائرهم وقواعدهم الاجتماعية لحمايتهم من الاعتقال. لقد أصبح من اصعب المهام على الدولة تنفيذ مذكرات الجلب القضائي والتي يتم فيها ملاحقة المطلوبين فتجد الشرطة نفسها في مواجه مع عشيرة المطلوب كاملة وليس الشخص الخارج عن القانون فقط. في مقابل ذلك اصبح الأمن مضطرا للحذر الشديد في استخدام القوة لأن اية إصابة للشخص المتهم قد تعني "ثورة اجتماعية” ضد الشرطة وهذا ايضا ما سمح للخارجين عن القانون بمزيد من الاستقواء في مواجهة الدولة بالعنف بسبب زيادة منسوب الثقة في وجود حماية اجتماعية وربما سياسية وتردد الأمن في استخدام القوة.
يجب أن نعترف بأن الأمن العام مارس عدة تجاوزات وخاصة مع النشطاء السياسيين في بعض الحالات، ولكن لا يمكن ايضا تجاهل الدور المنظم الذي قام به الأمن في حماية وضبط آلاف المسيرات والنشاطات السياسية تحت ضغط نفسي كبير. بعض التصريحات والشعارات التي رفعها الحراك الشعبي استفزت الأمن العام كثيرا كما ساهمت في إضعاف هيبة القانون وقد استغل ذلك الخارجون عن القانون في سياق فرصة ذهبية للإفلات من العقاب والمساءلة الأمنية وخاصة في وجود "الحماية الاجتماعية”.
سياسة الأمن الناعم لحماية وضبط النشاطات السياسية يجب أن لا يتم فهمها بأنها مظهر ضعف أمني يمكن استغلاله من قبل العصابات ولا يجوز تقديم الحماية الاجتماعية لهؤلاء الخارجين عن القانون. إذا لم يستطع الأمن العام والدولة تطبيق القانون بكفاءة وعدالة فإن كافة فئات المجتمع سوف تضطر لامتشاق السلاح للدفاع عن مصالحها وحقوقها ونصبح في غابة بكل معنى الكلمة حيث العائلة الكبيرة تأكل حقوق العائلات الأصغر، ويصبح الخارج عن القانون "المدعوم” قادرا على الهروب من العقاب بعكس "الخارج عن القانون” غير المدعوم وبالتالي يصبح القانون نفسه في خدمة المواطن الأقوى وليس في خدمة المواطن الصالح.
هذا ليس فقط خيار الدولة بل قرار المجتمع. إما أن نعطي المجال للدولة لتطبيق القانون وإلا نلوم أنفسنا في النهاية على تحويل الأردن إلى غابة بدون قانون يحمي الجميع، حتى لو كانت الغابة هذه تدار من قبل حكومة منتخبة!!