أخبار البلد -
الحرب يقال إنها حرب على العرب، ويقال إنها حرب الشرق الأوسط ، ولكن لنكن دقيقين وصريحين ونقول إنها بالدرجة الأولى الحرب على سورية الطبيعية. حيث يكفينا أن نقرأ المشهد بهدوء وموضوعية لنرى ذلك. فحرب مصر انتهت بكامب ديفيد ، شئنا أم أبينا ، وحرب الخليج انتهت بالهيمنة على نفط الخليج ، وما من هدف آخر ، إلا الحاجة لابتزاز الصناديق السيادية المكتنزة لتمويل المشاريع الاقتصادية والسياسية الأمريكية ، أما حرب سورية الطبيعية ، فهي حرب الوجود بين سورية الكبرى وإسرائيل الكبرى اللتين لا تتسع لهما رقعة جغرافية واحدة متطابقة .
وإذا كان الفكر الاستراتيجي الصهيوني قد توزع ، منذ السبعينيات على خطين : خط يؤيد الاستمرار في التهويد العسكري عبر الحروب النظامية وغير النظامية ، وخط يريد التهويد السلمي : الثقافي كما نادى الحاخام المار بيرغر في منتصف السبعينيات، والتهويد الاقتصادي الذي قاد تياره شيمون بيريز منذ الثمانينيات . فان الخطين ( أو الثلاثة ) يقتضيان ترويض أنظمة الحكم والشعوب في منطقة سورية الطبيعية المستهدفة أولا. ترويض تستغل لتحقيقه مبررات خارجية وداخلية ، حقيقية وملفقة ، تتنوع في تفاصيلها وتبقى واحدة في في إطارها العام . فمن اللبننة إلى العرقنة ، إلى استعمال كليهما في سورية .
فالمخرج واحد أو عضو في فريق واحد ، ولننظر من بعيد قليلا وبهدوء لنرى أن الخطوات نفسها ، هي ما يطبق على الساحات الثلاث ، إضافة إلى الساحة الفلسطينية التي تتسم بميزات إضافية . فما رسمه مخرج احتلال العراق استوحى في بعض مضامينه ما رسمه مخرج الحرب اللبنانية وكل ذلك ما يحاول الآن أن يطبقه المخرج على المسرح السوري . كان العدو يعرف انه لا يستطيع ترويض سورية الطبيعية بغالبية شعبها وغالبية قياداتها ، وحتى حكوماتها إلا بالكسر لانها لا تستطيع أن تملك ليونة الانحناء للمطالب والضغوط .
وكان يعرف أن ميزات ما تحقق في هذه المنطقة من العالم ، على الصعيد السياسي والثقافي ، مشوبة بعيب كبير على مستوى القمع والحريات والفقر والفساد ، وعلى مستوى التعدديات الدينية والإثنية التي يمكن أن تكون مصدر غنى وتميز حضاري إذا ما ذابت في إطار حقوق المواطن وحقوق الإنسان ، ويمكن أن تكون مصدر دمار وتفسيخ إذا ما تم شحنها غرائزيا في إطار غياب المفهومين وغياب الحياة السياسية الحقيقية والحرة التي تستطيع أن تؤطر الجميع وفق ما يقتنعون به من أفكار، لا وفق ما ولدوا عليه من أديان ومذاهب وإثنيات. كان العدو يعرف أيضا أن من يعون هذه الحقائق كثر ، مناضلون يسعون إلى تغليب الاتجاهات الإصلاحية حتى ولو بطريق مزروع بالشوك . وهنا مكمن الخطر بين خيارين لا ثالث لهما : إما بقاء هذه المجتمعات على ما أنجزته ، مع إصلاح ما يشوبها عبر إصلاحات حقيقية سياسية واقتصادية ينادي بها المخلصون وإما الكسر والفوضى المدمرة لكل شيء، والتي توفر على العدو أمريكي – غربي – صهيوني، كلفة التدمير وتؤمن له الترويض .
إنها الحرب ! ومخطىء من يعتقد أن هناك شيئا اسمه حرب العراق ، وشيئا اسمه حرب لبنان ، أو حرب غزة أو حرب سورية . هذه ليست سوى معارك في حرب واحدة لا تفصل الواحدة منها عن الثانية إلا سنوات قليلة . ولنراجع التاريخ ( تاريخ الحروب الصليبية مثلا ) لنجد عدد السنوات التي تفصل معركة عن الأخرى في حرب واحدة. ولنجد أن المدد الفاصلة بين معارك أمتنا قصيرة جدا بالمقارنة : (1991- 2003-2006-2008-2010-2011-2012) ، وبملاحظة بسيطة نجد أن المهلة الأولى المتعلقة بالعراق كانت الأطول ، لأنه كان الحلقة الأقوى ، الجدار الاستنادي ، راس الهرم ، حتى إذا انهار تدحرجت المواجهات على الجبهات الأخرى التي يصبح صمودها أصعب.
حرب واحدة ، المستهدف فيها واحد: القوة العسكرية ( الجيش) ، القوة الاقتصادية ( الاستنزاف والتكبيل باتفاقيات وديون وضرب اقتصاد الإنتاج ) النسيج الوطني ( الأحقاد الدينية والمذهبية والإثنية وحتى المناطقية ) ، الدولة بمعناها المؤسساتي المؤطر للمجتمع والمنظم لحياته ، وتوزيع دورها هذا على كتل سرطانية متعددة في جسم المجتمع لا تصل به إلا إلى الموت .
إنها الحرب الواحدة ، ولن تصلح في سورية اكثر مما أصلحته في العراق وقبلها في لبنان، وقبلهما في فلسطين ، التي نامت على سلطة ، فصحت على كتل منزوعة السلاح والإرادة وكل ما تملكه كراهية بعضها لبعض وانتظار مرتب آخر الشهر من الدول المانحة أو الخليجية.