الاعتصام السلمي أحد أساليب التعبير عن الرأي المتعارف عليها والمقبولة سياسياً واجتاعياً في جميع البلدان الديقمراطية. لكن بعض الاعتصامات في بلدنا لم تعد سلمية، ولا مجرد تعبير عن الرأي، بل اعتداء صريح على المجتمع والدولة.
الاعتصام الذي يقطع طريق الجامعة أو الطريق الصحراوي ليس سلمياً بل عنيفاً، وهدفه إلحاق الضرر بالمجتمع لدرجة تجبره على الاستجابة لمطالب تعسفية، أي أن مصلحة المجتمع تصبح مخطوفة بانتظار دفع الفدية.
والاعتصام الذي يسـتمر لأكثر من ساعة أو يوم ليس تعبيرأً عن الرأي، بل استعمال للضغط غير المشروع. وإبداء الرأي أو تقديم المطالب لا يعني وجوب الاستجابة لها، فهناك مطالب مقبولة ومطالب مرفوضة، واستمرار الاعتصام يعني ان المطالب مرفوضة، فهل هناك من يقول أن على الحكومة أن تلبي كل المطالب إذا كانت مدعومة بالاعتصامات؟.
في العالم اعتصامات واضرابات يجري تنظيمها ضد شركات في نوع من المساومة الجماعية بين العمال وارباب العمل، ويتم الحل عن طريق الحوار والتفاوض أو التحكيم، وليس هناك اعتصامات ضد الدولة والحكومة، فالاعتصام للحصول على مزايا مادية من الحكومة رغمأً عنها هو اعتداء على المجتمع والمال العام.
يعتقد كثيرون من الناشطين سياسياً واجتماعياً أن من واجبهم تأييد كل اعتصام حتى لو كان تعسفياً وغير منطقي، وهذا ليس صحيحأً، لأنه يعني الاصطفاف مع مصالح خاصة ضد المصلحة العامة من أجل الحصول على الشعبية.
يجب أن يكون مفهوماً أن إضراب المعلمين يلحق الضرر بالطلبة، وإضراب الأطباء والممرضين يلحق الضرر بالمرضى، وإضراب موظفي ضريبة الدخل يلحق الضرر بالخزينة، فإذا رغبت هذه الفئات في التعبير عن رأيها سلمياً فإنها تستطيع أن تعتصم لمدة ساعة أو يوم، أما الاعتصام المفتوح وشعار التصعيد فهو عدوان جدير بعدم التقدير.
العمل في القطاع العام ليس إلزامياً للأطباء أو المهندسين أو الممرضين أو المعلمين او الموظفين الآخرين. ومن يعتقد أنه يستحق أكثر فإنه يستطيع الانتقال إلى القطاع الخاص، أما أن يتمسك بوظيفته العامة ويطالب بالمزيد من الامتيازات والعلاوات والمكافآت على حساب خزينة مديونة، فهذا عمل غير مشرف، ويدخل في باب الابتزاز، ويستحق الشجب.
الهيئة المستقلة للانتخاب ترد على د. فهد الفانك
أراء مفيدة وقيمة، تلك التي أوردها الدكتور فهد الفانك، في عاموده اليومي في صحيفة «الرأي» يوم أمس، لكنها مع كل التقدير والاحترام قابلة للنقاش.
الهيئة هي ثمرة من ثمرات الاصلاح السياسي، وذات مرجعية دستورية، انيط بها ادارة الانتخابات والاشراف عليها وتأتي في سياق توجه عالمي، لإعتماد معايير متشابهة لادارة الانتخابات ليس الاردن بعيداً عنها، تؤكد على احترام حق المواطن باختيار ممثليه بكل شفافية ونزاهة.
إن الشعب الاردني يستحق أن يشارك بانتخابات حرة نزيهة، وإذا كانت المسألة فقط من وجهة نظر الدكتور الفانك تتعلق بالكلف المالية وحسب، فالمسألة بالنسبة للهيئة المستقلة للانتخاب ليست تبديل مؤسسات، واضافة كوادر بشرية جديدة للقيام بهذا الدور، بقدر ما هي رؤية جديدة للدولة الاردنية، تريد فيها أن تعتمد النتائج على سلامة الاجراءات، وان تطبق فيها كل المعايير الدولية التي أخذت بها دول العالم، خاصة بعد أن بدأت تقاس بها درجات التقدم على سلم الاصلاح السياسي.
اما فيما يتعلق بالقوى البشرية والاجهزة التي تحتاجها الهيئة لادارة الانتخابات فانه لا يعقل ابداً أن تقوم الهيئة بتعيين الالاف من أجل عمل محدد بوقت معين، ولكنها بالتأكيد سوف تستخدم طواقم الدولة مثلها في ذلك مثل بقية الدول الاخرى، ذات التقاليد الديمقراطية، خاصة وان المادة الخامسة من قانون الهيئة قد الزم أذرع الحكومة كافة للتعاون مع الهيئة وتحت اشرافها المطلق لتنفيذ العملية الانتخابية.
الهيئة لم تنشأ عبثاً، فقد تأسست بمرجعية دستورية، واستقلاليتها لها سند دستوري أيضاً وان اشرافها وادارتها للعملية الانتخابية مسؤولية محصورة دستورياً بها، وهي بهذه ألرؤية لا تختلف كثيراً عما تنفذه الديمقراطيات الأخرى.
لقد كان الدكتور الفانك محقاً حين اشار ان الحكمة من اقامة الهيئة، هو ازالة كل شبهة للتزوير وعدم النزاهة وبهذا المعنى فانه من حق الهيئة ان تسعى لاقناع الرأي العام بدورها هذا، ونيتها الاكيدة على ادارة انتخابات لا تشوبها شائبة. وللعلم فإن الهيئة وفق التعليمات التي بدأت تصدرها تباعاً لتنفيذ أحكام القانون، تمتلك ما يلزم من المقومات لضمان عدم تدخل الحكومة في سير العملية الانتخابية امام الرأي العام والاحزاب والمرشحين، وليس من المبالغة بشيء القول - وهو رأي يتبناه خبراء اردنيون ودوليون- ان انشاء الهيئة، لربما يكون أهم تغيير في العملية الانتخابية مع تبني قانون دائم للانتخابات وان كان قانوناً مختلفاً عليه.
الهدف الاساسي من إنشاء الهيئة هو ضمان تطبيق المعايير والممارسة الفضلى التي أصبحت معروفة ومعتمدة من معظم الدول والشعوب، وكذلك تأمين إقامة شراكة مع جميع أطراف العملية الانتخابية، بما في ذلك تمكين المراقبة الوطنية والدولية على الانتخابات التي يجب ان تكون اجراءاتها كافة، مفصلة وواضحة ومعلنة.
اما أن كلمة «مستقلة» الملحقة بإسم الهيئة لا تغير الواقع بأنها هيئة حكومية اخرى - وفق الدكتور الفانك-، فهذا ما نختلف عليه معه لأنه من أهم الاسباب الرئيسية الاخرى، لضرورة وجود هيئة مستقلة للانتخاب، أن حكوماتنا ومنذ خمسينات القرن الماضي، كانت حكومات غير منتخبة، وهذا ما يعزز القناعة، بأن هذه الهيئة المستقلة حسب سندها ومشروعيتها الدستورية، لديها القدرة والنية، بأن تنأى بالانتخابات القادمة عن شبهات التزوير التي شابت الانتخابات الماضية، كما يقول الدكتور الفانك نفسه.
امّا ان يُعين رئيس الهيئة، وزيراً للداخلية، فتنتفي الحاجة الى هيئة مستقلة للانتخاب، كما يقترح الدكتور الفانك، ففيه تبسيط شديد للامور. المصداقية تبدأ في البيت، كما يقولون، وهي صفة مؤسسية يجب أن تلازم الهيئة ومسيرتها، ليس فقط حتى موعد الانتخابات القادمة، وانما على مدى السنين.
حسين بني هاني
الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب
الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب