بشكل غير متوقع لكثير من المراقبين،قررت جماعة الاخوان المسلمين مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة،وبرغم مراهنة كثيرين على انهم سيشاركون في نهاية المطاف،الا ان الرهان باء بالخيبة والفشل.
لعل السؤال يأتي حول الخاسر فعلياً من قرار المقاطعة،والمؤكد ان الخاسر هنا اكثر من طر
ف،بنسب متفاوتة بين طرف وآخر.
اول هذه الاطراف الحركة الاسلامية التي تأتي مقاطعتها استثماراً في الشعبية،بدل الوصول الى مجلس النواب،خصوصاً،ان كل الاجواء تقول لك ان فرصة التزوير في هذه الانتخابات تكاد تكون منعدمة،ولا يمكن مسبقاً جرح الانتخابات بالتزوير.
الذي قاله العين بسام العموش صحيح،فقد كان امام الاسلاميين ثلاثة مسارب لايصال مرشحين،عبر الصوت الواحد على مائة وثمانية مقاعد،وعبر كوتا المرأة،وعبر القائمة الوطنية،فلماذا اختار الاسلاميون المقاطعة اذن؟!.
في مصر اضطر الرئيس المصري الى اجراء تسوية مع كل الاطراف،وتنازل عن فكرة اخذ كل شيء،او لا شيء،وهذا منطق سياسي عاقل،وقد كان الاولى بالاسلاميين ان يترشحوا وفقا للقانون،وان يكون رهانهم على «النظافة» قبل مدخلات القانون.
هذه السلبية منتجة للاسلاميين،لانها ستبقيهم في الشارع،ولانها حفظت وحدة الجماعة بين تياري المقاطعة والمشاركة،ولانها ايضاً تمنح الاسلاميين الفرصة لتجاوز امتحان الصناديق،على الرغم من ان حصتهم لن تكون قليلة.
خسر الاسلاميون بقرارالمقاطعة،الكثير،وهم يخلون مواقعهم طوعاً،لغيرهم،ومنذ اليوم يصير مستحيلا قبول النقد للمجلس النيابي المقبل،من جانب كل من يقاطع الانتخابات،فاذا لم تشارك،فكيف يحق لك النقد والتقييم مستقبلا،ما دمت لم تكن طرفا في الاساس؟!.
ثاني الاطراف الخاسرة،هو البرلمان المقبل،لان المقاطعة تريد ان تقول للداخل الاردني وللخارج،ان المجلس ناقص التمثيل،وان مكوناً اساسياً غاب لاعتباراته،وان المجلس المقبل لا يمثل كل الشعب،وعبر قرارالمقاطعة يسلب الاسلاميون الشرعية،جزئياً،عن المجلس النيابي المقبل،ليس لان الشرعية يتم الحصول عليها من الاسلاميين،بل لانهم مكون له خطه وانصاره وحصته المفترضة في البرلمان،وهذا الغياب يجرح شرعية النواب المقبلين ايضاً.
ثالث هذه الاطراف الخاسرة هي الحراكات الشعبية،وما تمثله في المحافظات،التي وجدت نفسها اليوم امام استحقاقات مقاطعة جبهة سياسية قوية،مما دفعها الى المقاطعة ايضا،امام فكرة «التعليم على وجوههم» امام الناس،وقدرة هؤلاء على الانتقال من الشارع الى البرلمان،ستبدو معدومة امام الاحراج السياسي الذي سببته المقاطعة لهم،امام من يتأثرون برأيهم،وبدلا من طرح الحراكات الشعبية لبرامج ولمرشحين ونواب،فقد طرقهم قرار المقاطعة على رؤوسهم،وجعلهم «عربة خلفية اخيرة» في قاطرة الاسلاميين.
آخر الاطراف المتضررة،هي المؤسسة الرسمية،التي لم تصل الى حل مع الاسلاميين،وبرغم التغييرات على القانون،الا ان الحركة الاسلامية لم يعجبها ذلك،لانها تريد المزيد،ويراد تقديم المؤسسة العامة بصورة التي لم تفلح باقناع الاسلاميين بالمشاركة،وجرح كل فكرة الانتخابات،خصوصا،اذا نجح الاسلاميون بتعميم فكرة المقاطعة شعبياً،وبالتالي يكون استحقاق قرار المقاطعة لاول مرة،فوق مساحتة الاصلية،ونحو تعميمه على كل البلد.
اربعة اطراف خاسرة،اذن،واذا جمعناها معا يأتي معنا ذات استخلاص العين د. بسام العموش،في تصريحه لـ «الدستور» في عدد البارحة،اذ قال ان المقاطعة «قرار سيىء مؤذ لكل البلد». ربما المقصود تأجيل الانتخابات كلياً عبر افساد شرعيتها مسبقاً. الحركة باتت رافضة لكل شيء،وليس ادل على ذلك،من انها رفضت،ايضاً،القانون الذي قدمته الحكومة السابقة،والذي كان يسمح بثلاثة اصوات للناخب في الدائرة والمحافظة والوطن،وهكذا تبدو المقاطعة قراراً محسوماً،اياً كان نص القانون.
يبقى السؤال: هل استفتى الاسلاميون مئات الالاف ممن يصوتون لهم،عادة،حول المقاطعة،ام انهم يتذكرونهم فقط،عند قرار المشاركة والصعود الى الحافلات،والسؤال مطروح للاجابة؟!.