أخبار البلد -
اخبار البلد_ كم مرة قلت أو استمعت لمن يقول ان الشعب المصري لا يصلح للديمقراطية ..؟!
كم مرة قلت أو استمعت لمن يقول ان المصري يحتاج لمن يثقفه ويعلمه حتى يمارس
حقوقه السياسية ؟!
أنا استمعت الى هذه الآراء عشرات المرات داخل مصر وخارجها ، وفي كل مرة كنت
أشرح لأصحاب هذه الآراء أن تاريخ مصر الحديث يؤكد أن الشعب المصري تصرف
دائما بوعي سياسي صحيح . كنت أقول لهؤلاء أنتم تتحدثون عن الشعب باعتباره
فكرة أو تعبيرا نظريا بينما الشعب واقع حي ، الشعب يعنى ملايين الاشخاص
الذين قد يختلفون في الخلفية الاجتماعية أو الثقافية لكنهم في لحظة ما
يملكون شعورا واحدا وعقلا جمعيا يمكنهم من اتخاذ موقفا موحدا عادة ما يكون
صحيحا . الشعب هو الذى صنع الثورات المصرية جميعا . لازلت أذكر يوم 25
يناير عندما وصل آلاف المتظاهرين من امبابة لينضموا الى ميدان التحرير ،
هؤلاء البسطاء الفقراء هم الذين دافعوا عن المتظاهرين ضد اعتداءات جنود
الأمن المركزي ولولاهم لما نجحت الثورة. الشعب البطل الحقيقي فيما حدث يوم
الأحد الماضي 24 يونيو . ذلك التاريخ الذى يشكل نقطة فارقة في تاريخ مصر
والعالم العربي كله . على مدى 16 شهرا نفذ المجلس العسكري مخططا معدا
بعناية من أجل اجهاض الثورة المصرية : انفلات أمنى وحوادث طائفية وترويع
للمصريين أقباطا ومسلمين وأزمات معيشية مصطنعة بالاضافة الى حملات منظمة
لتشويه الثورة و مذابح متوالية للثوار سقط فيها شهداء كثيرون وتم انتهاك
أعراض بنات مصر على أيدي أفراد الجيش والشرطة .. كان المخطط يستهدف الضغط
على المواطن المصري لدرجة تجعله يتعلق بأى شخص يستطيع أن يعيد الأمن..
وهكذا تم الدفع بأحمد شفيق وحمايته من 35 قضية فساد موثقة ومن قانون العزل
السياسي .. وعندما أسفرت النتائج عن خوض شفيق ومرسي جولة الاعادة ، كانت
المؤشرات كلها تؤكد فوز شفيق . فقد خسر الاخوان تعاطف معظم الثوريين نتيجة
لتخاذلهم عن نصرة الثورة من أجل مصالحهم كما أن قطاعا كبيرا من الأقباط
أصابهم الفزع من الاخوان فقرروا التصويت لشفيق بالاضافة الى فلول النظام
القديم الذين أغدقوا ملايينهم المنهوبة على شفيق لأنه فرصتهم الأخير للعودة
للسلطة .. أضف الى ذلك جهاز الدولة بالكامل الذى ساند شفيق بكل قوته بدءا
من كبار ضباط الداخلية وأمن الدولة الى الوزارات والهيئات والاعلام الحكومى
الذى عاد الى سيرته الأولى في التضليل والكذب والاعلام الخاص المملوك
لرجال أعمال تفانى معظمهم في الترويج لشفيق حرصا على مصالحهم الضخمة . قرر
كثيرون ( وأنا منهم ) مقاطعة الانتخابات اعتراضا على وجود شفيق بدلا من
عزله ومحاكمته . في ظل هذه الظروف كان فوز شفيق حتميا لكن مفاجأة كبرى حدثت
. :.. كانت طاقة الاخوان الانتخابية لا تزيد عن 5 مليون ناخب ( الذين
صوتوا لمرسي في الجولة الأولى ) ولكن عندما جاءت الاعادة نزل 8 مليون مصري
وقرروا التصويت لصالح مرسي ليس لأنهم ينتمون للاخوان المسلمين لكن لأنهم
أدركوا أن النظام القديم لو عاد الى الحكم ممثلا في شفيق تلميذ مبارك
المخلص ، فان الثورة المصرية تكون قد انتهت..
ان تصويت الملايين لمرشح الاخوان كانت مفاجأة شعبنا الواعي التى قلبت كل
الموازين وأحبطت مخطط اجهاض الثورة . وقد وقع المجلس العسكري في ورطة فأصدر
اعلانا دستوريا مكملا يقلص صلاحيات الرئيس قبل اعلان النتيجة بساعات . تم
تأجيل اعلان النتيجة النهائية للانتخابات الى يوم الخميس ثم الى يوم الاحد
وهنا أدرك الشعب مرة أخرى أن شيئا ما يحاك في الكواليس فنزل الملايين الى
الشوارع ( من المنتمين للاخوان وغيرهم ) ليشكل احتشادهم عنصر الضغط على من
يريد أن يزيف ارادة الناخبين .. سوف يكشف التاريخ يوما ما تفاصيل ما حدث في
اللجنة العليا للانتخابات قبل اعلان النتيجة وقد تناثرت روايات كلها تؤكد
حقيقة واحدة : بالرغم من أن النظام القضائي في مصر غير مستقل وتابع للسلطة
التنفيذية الا أن لدينا قضاة مستقلين عندهم من الضمير والشجاعة ما يدفعهم
لقول الحق مهما يكن الثمن . لقد شكل المستشار زكريا عبد العزيز مع مجموعة
من القضاة " جماعة قضاة من أجل مصر " وقاموا بمراقبة الانتخابات وأكدوا فوز
محمد مرسي بفارق عن شفيق يقترب من مليون صوت.. المستشار زكريا ــ كما
أعرفه ـــ لا يوافق على أفكار الاخوان ولا سياساتهم لكنه قاض جليل لا يعرف
الا الحق . لقد كان تقرير القضاة المستقلين مبادرة نزيهة وشجاعة أحرجت
الذين ألفوا تزوير ارادة الشعب .. الثورة المصرية حققت نصرا عظيما باسقاط
شفيق وفوز محمد مرسي الذى ( بغض النظر عن اختلافنا السياسي معه ) هو أول
رئيس جمهورية مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث . هذا الانتصار لارادة الشعب
لن يؤثر في مصر فقط وانما سوف يدفع عجلة التغيير في البلاد العربية التى
تتطلع الى التخلص من حكام مستبدين فاسدين جاثمين على أنفاس شعوبهم منذ عقود
.. واجبنا أن نهنيء الرئيس مرسي لكن واجبنا أيضا أن نذكره بعدة حقائق :
أولا : أن الرئيس الجديد لم ينجح بأصوات الاخوان فقط ولم تكن أصوات الاخوان
وحدها قادرة على انجاحه . لقد نجح بأصوات ملايين المصريين الذين رأوا في
دعمه الوسيلة الوحيدة لمنع عودة نظام مبارك وبالتالي فان الرئيس مرسي مسئول
أمام المصريين جميعا ونحن نطالبه بأن يقطع علاقته التنظيمية بالاخوان
المسلمين تماما وفورا ، وكما وعد يجب أن يشكل حكومة ائتلافية تضم وزراء
الثورة من مختلف الاتجاهات السياسية .
ثانيا : على مدى عام ونصف امتنع المجلس العسكري عن تحقيق أهداف الثورة ورفض
أى تغيير في بنية نظام مبارك . الآن بعد فوز الرئيس المنتخب لا يمكن تأجيل
التغيير : نتوقع من الرئيس مرسي أن يساعد على اقرار قانون السلطة القضائية
حتى يستقل القضاء عن السلطة التنقيذية ، نتوقع منه الغاء الاعلان الدستوري
المكمل الذى يضع المجلس العسكري فوق كل سلطات الدولة ، لابد من محاكمة
جميع المتهمين بالفساد ( وأولهم أحمد شفيق ).. لابد من تطهير جهاز الشرطة
من الفاسدين والجلادين وقتلة المتظاهرين ..لابد من اغلاق مباحث أمن الدولة
ومنع قمع أجهزة الأمن للمواطنين ... لابد من منع محاكمة المدنيين أمام
محاكم عسكرية والافراج عن 12 ألف مدني محبوسين في السجن الحربي واعادة
محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعي . .لابد من تحديد الحد الأدني والأقصى للأجور
والقضاء على الفقر والبطالة .. لقد قامت هذه الثورة من أجل الحرية
والكرامة والعدالة الاجتماعية . سيكتسب الرئيس مصداقيته أو يخسرها بقدر
اخلاصه لمباديء الثورة
ثالثا : لم يكن لمحمد مرسي أن يصل الى منصب الرئيس لولا 1200 شاب مصري ضحوا
بحياتهم أثناء الثورة وألف مصري لازالوا مفقودين ( غالبا تم قتلهم و دفنهم
في أماكن مجهولة ) بالاضافة الى آلاف المصابين كثيرون منهم فقدوا عيونهم
بالخرطوش ..هؤلاء أصحاب الفضل على مصر بعد ربنا سبحانه وتعالى ولولا
تضحياتهم لما كان لنا أن نعيش هذه اللحظة . ان واجب الرئيس مرسي أن يبدأ
فورا في تحقيق القصاص العادل من قتلة الشهداء ورعاية أسرهم وعلاج المصابين
على أعلى مستوى داخل مصر أو خارجها على نفقة الدولة. لا يجوز للرئيس الجديد
أن يترك مصابي الثورة لرعاية فاعلي الخير ، لا يجوز أن يترك قتلة الشهداء
أحرارا محتفظين بوظائفهم وكأنهم لم يسفكوا دماء بريئة لشباب كل ذنبه أنه
انتفض من أجل كرامة المصريين . ،
رابعا : أمام الرئيس طريقان لاثالث لهما اما أن يحقق أهداف الثورة للمصريين
جميعا واما أن يحقق مصالح جماعة الاخوان المسلمين عن طريق اتفاقات سرية مع
المجلس العسكري .. أرجو ألا يكرر الاخوان أخطاءهم التاريخية .فقد كانوا
للأسف ، منذ انشاء الجماعة عام 1928 ، يعتبرون أن مصلحة الجماعة هي ذاتها
مصلحة الوطن مما أوقعهم دائما في تحالفات مع السلطة أضرت كثيرا بالحركة
الوطنية .. كان آخرها تحالفهم مع المجلس العسكري بعد الثورة الذى أضاع
علينا فرصة كتابة دستور جديد وأوقعنا في هذه المحنة . ان مهمة مرسي لن تكون
سهلة لأنه سيواجه نظام مبارك الذى مازال مسيطرا على الدولة وأتوقع أن
يقاوم التغيير بشدة . في معركته الضارية مع نظام مبارك سيحتاج الرئيس الى
دعم المصريين جميعا ولن يحصل عليه الا اذا ناضل من أجل مصر وليس من أجل
الاخوان المسلمين .
خامسا : تعهد الرئيس مرسي دائما بالحفاظ على " مدنية الدولة " و هذا
التعبير يمكن تفسيره بطرق مختلفة . المقصود بمدنية الدولة في رأيي تحقيق
ركائز أربع :
أولا حقوق المواطنة ..المواطن المصري يجب أن يحصل على حقوقه كاملة بغض
النظر عن دينه . كل حقوق الاقباط التي أهدرت أيام مبارك يجب أن يحصلوا
عليها في عهد الرئيس الجديد كما يقضى الاسلام الحقيقي ...الركيزة الثانية :
حماية الحريات الشخصية المستقرة في مصر منذ قرون . من مظاهر حضارة مصر أنك
وحدك تحدد أسلوب حياتك في حدود القانون أما لو تم الاعتداء على الحريات
الشخصية من أجل تنفيذ برنامج اخلاقي يحيل المواطنين الى رعايا مقموعين تحت
الوصاية كما يحدث في السودان والسعودية فستكون هذه عودة الى عصور الظلام
وكارثة على مصر كلها .. الركيزة الثالثة : حماية حرية الفكر والابداع وهنا
نحذر الرئيس من الاستماع الى أصوات المتشددين المعادين للثقافة والفن . لقد
كانت مصر دائما قلعة الفن والفكر في الشرق . لن نقبل أبدا أن يخضع الابداع
لرقابة المتزمتين لأن ذلك سيؤدي الى ضياع تراثنا الفنى والقضاء على
الابداع المصري الذى نفخر به جميعا.. الفكر لا يواجه الا بالفكر والابداع
لا سلطان لأحد عليه الا بالقانون . هذه هي القاعدة الذهبية لحماية الثقافة
المصرية .. الركيزة الرابعة : أى محاولة لتطبيق الحدود طبقا للشريعة الآن
ستؤدي الى تمزق المجتمع المصري والدكتور مرسي يعرف جيدا أنه لايمكن تطبيق
العقوبات في الشريعة قبل القضاء على الفقر والجهل والمرض . لا يجوز قطع
أيدي السارقين قبل أن نوفر لهم حياة كريمة . هذه قاعدة انسانية قبل أن تكون
فقهية .,
ان الشعب المصري الذى انتخب محمد مرسي ينتظر منه الكثير وسوف يسانده بقوة مادام يعمل لصالح مصر ويحقق أهداف الثورة .
الديمقراطية هي الحل