كان شباب الثورة المصرية
على حق عندما أحيوا ذكرى "ثورة 25 يناير" تحت شعار
"الثورة مستمرة". يومها خالفهم الإسلاميون الرأي،
ونزلوا إلى الشوارع للاحتفال مع المجلس العسكري
بالثورة "التي حققت أهدافها".
أول من أمس فقط،
أدرك الإسلاميون فداحة ما ارتكبوا من أخطاء بحق الثورة
والثوار، أفضت إلى إعادة تسليم السلطة بسلاسة إلى رجال
مبارك.
"انقلاب ناعم"، على حد وصف صحيفة الأخبار
اللبنانية لقرار المحكمة الدستورية، والذي استعاد
بموجبه المجلس العسكري السلطة التشريعية بعد حل
البرلمان، وقضى بعدم دستورية قانون العزل السياسي،
فاتحا الطريق أمام آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس
المخلوع لتولي منصب رئيس الجمهورية.
يوم أمس فقط
تنبه مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، إلى خطر الثورة
المضادة، ورفع شعار "الثورة مستمرة".
منذ اليوم
الأول لسقوط مبارك، كان بالإمكان تجنب سيناريو إعادة
الثورة، والاحتذاء بالنموذج التونسي في المرحلة
الانتقالية. لكن سعي الإسلاميين إلى السلطة أعمى
أبصارهم عن أهداف الثورة، والمتمثلة في اجتثاث النظام
القديم والتأسيس لبنية سياسية جديدة. كان خطأهم الأكبر
القبول بالإعلان الدستوري بديلا من الدستور، والموافقة
على إجراء الانتخابات التشريعية بقانون مؤقت مطعون في
دستوريته منذ البداية، والمشاركة في استفتاء 19 آذار
بخلاف رغبة معظم قوى الثورة، والتخلي عن الثوار في
أكثر من جمعة فاصلة في ميدان التحرير.
بعد
انتخابات مجلس الشعب التي حقق فيها "الإخوان" والتيار
السلفي فوزا ساحقا، توهم الإسلاميون أن السلطة دانت
لهم، فأمعنوا في إقصاء قوى الثورة المصرية، وتجلى ذلك
في تشكيلة المجلس التأسيسي لإعداد الدستور. لكن الصيغة
لم تصمد أمام احتجاج القوى السياسية. في الأثناء، كان
المجلس العسكري، وبعد أن استفرد بالإسلاميين، يعد
العدة للانقلاب عليهم واستعادة السلطة لتسليمها من
جديد إلى أحمد شفيق مع اقتراب نهاية ولاية العسكر.
وكان له ذلك مشفوعا بقرار من أعلى هيئة قضائية في مصر.
مرة واحدة وجد الإسلاميون أنفسهم في الشارع من جديد،
ولكم أن تتخيلوا الصورة لو أن مرشح مبارك فاز في
الانتخابات الرئاسية. ببساطة، مصر تعود إلى ما قبل 25
يناير، وكأن الثورة لم تكن، ومئات الشهداء وآلاف
المصابين لم يكونوا سوى مجاميع في فيلم سينمائي.
من يطمع في التهام الكعكة كلها لا ينال منها شيئا؛ هذا
هو الدرس الذي ينبغي على الإسلاميين تعلمه مما حصل.
على كل حال، هذا ليس بالوقت المناسب للتلاوم؛ المهم
بالنسبة لمصر والمصريين في هذه اللحظة التصدي
للانقلاب، وذلك يبدأ باسقاط مرشح "الفلول" وإعادة
الثورة إلى شبابها الأول، أولئك الذين أطلقوا شرارتها
الأولى من ميادين القاهرة والاسكندرية والسويس، ليضعوا
خريطة الطريق للخلاص الأبدي من حكم العسكر وفلول
الثورة أيضا.