اخبار البلد
تؤكّد شهادات ناجين من"مذبحة الحولة"أنّ من قام بهذا الفعل هي عصابات الشبيحة من الطائفة العلوية. وسواء كانت هذه المعطيات دقيقة أم لا، فإنّ النتيجة واحدة، طالما أنّ الانطباع العام يذهب بهذا الاتجاه؛ فهو أقوى من الحقيقة، مما يثير مخاوف بالفعل من أنّ المذبحة ستكون نقطة تحول خطرة في تنامي المسألة الطائفية!بعد المذبحة، يمكن ملاحظة أنّ الثورة والغضب ارتفعت وتيرتهما داخل الشارع السني، ويكادان اليوم يصبغانه بالكلية ضد النظام. في المقابل، فإن هذه الأجواء ستزيد من اصطفاف الطائفة العلوية مع النظام، بعد أن فشل خلال الأشهر الماضية في قمع الثورة، وفلتت الأمور في حلب ودمشق من يديه في الأسابيع الماضية، مما يجعل من الرهان على الشارع السني خاسراً لديه.
المشكلة في سورية تبدو حالياً في موقف الأقليات، سواء من العلويين أو الأكراد (بدرجة أقل، لاعتبارات عديدة مرتبطة بالمشكلة الكردية)، أو حتى المسيحيين الذين يشعر كثير من السوريين أنّهم لم يقفوا مع الثورة، وما يزالون في المنطقة الرمادية.
وقد سمعت اعترافاً من أحد كبار رجال الدين المسيحيين في المنطقة، من أنّ عدم تأييد المسيحيين في سورية للثورة مردّه الخشية من مصير شبيه بمسيحيي العراق.الحالة نفسها يمكن قراءتها في مصر؛ إذ تذهب أغلب التحليلات والقراءات إلى أنّ الكتلة القبطية صوّتت لصالح أحمد شفيق، مع أنّه يعد مرشّح فلول النظام السابق، ويحظى بتأييد ودعم كبير من أنصاره، ويساهم الإعلام اليوم في تقوية موقفه ضد مرشح جماعة الإخوان المسلمين، من خلال الاستمرار في مسلسل شيطنتها في الشارع، وتخويف الناس منها وترهيبهم من سقوط البلاد في قبضة الإسلاميين.وتشير أغلب التقديرات -التي نسمعها من النخبة السياسية في القاهرة اليوم- إلى أنّ الكتلة القبطية عموماً، ستصب لصالح شفيق في انتخابات الإعادة، بالرغم من أنّ أغلب القوى الثورية ستؤيد مرشح الجماعة، حتى تلك المختلفة مع الإخوان، والتي تلوم الجماعة على ارتكابها الأخطاء التي ساهمت في إضعاف الروح الثورية المشتركة، فبالنسبة لهم خيار الإخوان، مع الاختلافات الفكرية، لا يقارن بقبول عودة شفيق وأجهزة الأمن إلى مركز السلطة، وعودة النظام السابق في صيغة جديدة وأدوات مختلفة.من الواضح من هذه المعطيات أنّ هنالك قلقاً ملحوظاً لدى الأقليات من الصعود الإسلامي، وهو ما يدفعها إلى الالتزام بما هو قائم خشية مما قد يأتي. وهذا يعكس فشلاً من الإسلاميين في تقديم "خطاب ضمانات" ورسائل حسن نوايا أكثر عمقاً وكثافة تجاه الأقليات بشأن مستقبلها السياسي وأمنها وحرياتها وحقوقها.بلا شك، تطور خطاب جماعة الإخوان المسلمين بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية، وقدّمت مبادرات متعددة تؤكد التزامها بالتعددية وتداول السلطة وحقوق الأقليات والحريات العامة، لكن جزءاً كبيراً من هذه الرسائل لم يصل إلى الطرف الآخر، أو تمّ التشويش عليه وتشويهه، وكانت هنالك ماكينة مضادة تعمل على حشد وتعبئة شارع الأقليات ضد الإسلاميين، لم ينجح الإسلاميون في تعطيلها أو تحجيم أثرها، وكانت النتيجة الاصطفاف الذي نراه في الحالتين السورية والمصرية!كان على الإسلاميين، وما يزال هنالك مدى للقيام بذلك، إرسال رسائل صلبة وقوية وواضحة، وتكثيفها باتجاه الأقليات، وحتى التيارات العلمانية والليبرالية المتخوفة، وبناء قنوات اتصال وتواصل معها، تتضمن تعهدات قاطعة بالمواطنة والدولة المدنية، وبعدم إقامة دولة دينية، وبالحريات العامة والفردية، فهي الطريقة الأساسية لتكسير عمليات التشويش والتشويه التي نراها .