اتخذ مايكل بيري، المستثمر الشهير الذي تنبأ بانهيار سوق الإسكان في 2008، خطوة مفاجئة بإلغاء تسجيل صندوقه الاستثماري سايون لإدارة الأصول لدى هيئة الأوراق المالية الأميركية في العاشر من نوفمبر. هذا القرار أنهى التزام الصندوق بتقديم تقاريره الدورية للهيئة، ما يعني خروج سايون رسميًا من دائرة الإفصاح العام.
كان الصندوق يدير نحو 155 مليون دولار حتى مارس الماضي، وغالبًا ما جذب الأنظار بسبب رهانات بيري الجريئة في الأسواق. وفي منشور عبر منصة إكس، لمح بيري إلى مشاريع جديدة قائلاً: نحو أشياء أفضل بكثير في 25 نوفمبر.
وبهذا القرار، يفقد المستثمرون إمكانية متابعة مراكز بيري المالية التي كانت تظهر في تقارير الربع السنوية (13F). وأوضح بيري لاحقًا أن رهانه ضد شركة بالانتير كان بقيمة نحو 9.2 ملايين دولار فقط في عقود بيع، وليس 912 مليونًا كما تم تداوله. كما ألمح إلى مشروع جديد سيُكشف عنه في 25 نوفمبر، مما زاد من غموض تحركاته المقبلة.
انسحاب تكتيكي وتحول إلى مكتب عائلي
يبدو أن بيري قرر تحويل سايون إلى مكتب عائلي خاص بعيدًا عن أعين هيئة الرقابة المالية، في خطوة وصفها البعض بأنها تحول ذكي لتجنب الإفصاحات المرهقة والقيود التنظيمية. هذه الخطوة تهيئ الساحة لما يعتقد البعض أنه انفجار جديد سيهز شركات التكنولوجيا المتضخمة.
في رسالة مؤرخة في 27 أكتوبر، كتب بيري بصراحة نادرة: تقييمي لقيمة الأوراق المالية لم يكن متوافقًا، وليس كذلك الآن، مع ما يراه السوق. بمعنى آخر، هو يعترف بأنه كان إما مخطئًا أو متقدّمًا على السوق في توقيته، وأنه سئم من الأداء السلبي أثناء انتظار تحقق رؤيته الاستثمارية.
لكن هذا ليس جديدًا على بيري. ففي عام 2008، أغلق صندوقه السابق سايون كابيتال بالطريقة ذاتها بعد أن حقق ثروة ضخمة من أزمة الرهن العقاري، جنى منها شخصيًا نحو 100 مليون دولار. ومع ذلك، قرر التوقف عن إدارة الأموال بسبب الإرهاق النفسي وضغوط المستثمرين وعمليات التدقيق الضريبية ومتابعات مكتب التحقيقات الفيدرالي التي أنهكته تمامًا.
الجانب الإنساني خلف القرار
لا يعلم كثيرون أن بيري مصاب بمتلازمة أسبرغر، ما يجعله يكره التعاملات الاجتماعية ويفضل العزلة، وقد صرح سابقًا بأن علاقاته بالمستثمرين تمثل له عبئًا نفسيًا كبيرًا. ولهذا فإن إدارة صندوق استثماري في ظل تلك الضغوط تمثل بالنسبة له معاناة حقيقية.
واليوم، في عام 2025، يجد بيري نفسه في الموقف ذاته. فهو يكرر تحذيراته من فقاعة الذكاء الاصطناعي ويزعم أن الشركات العملاقة في القطاع تقوم بـالتلاعب بجداول الإهلاك المحاسبية لرفع أرباحها بصورة مصطنعة، مشبّهًا الوضع الحالي بفترة فقاعة الإنترنت في مطلع الألفية. ومع ذلك، يدرك بيري أن توقيت الانفجار أمر بالغ الصعوبة، وأن الصواب في التحليل لا يعني بالضرورة النجاح في التوقيت.
بيري تعلم الدرس من تجربة 2005-2007، حين كان يرى الحقيقة لكن عليه الانتظار سنوات قبل أن يثبتها السوق، بينما المستثمرون يطالبونه بالخروج ويتهمونه بالخطأ. هذه التجربة القاسية جعلته يدرك أن الصواب المبكر قد يكون قاتلًا إذا لم يتحمله المستثمرون نفسيًا وماليًا.
عودة إلى الظل... بشروطه الخاصة
لهذا السبب، اختار بيري هذه المرة الانسحاب بهدوء. فهو لا يريد أن يعرّض أموال المستثمرين لتقلبات لا يمكنهم احتمالها، وفضّل إدارة ثروته الشخصية فقط عبر مكتب عائلي لا يخضع لإفصاحات ربع سنوية أو ضغوط خارجية. بهذه الطريقة، يمكنه انتظار اللحظة التي يثبت فيها السوق صحة رؤيته، دون أن يضطر إلى تفسير كل خطوة أو مواجهة موجات السخرية المعتادة.